لا بد لكل صنم عجوة كبير من أصنام صغيرة تُثني على ما يفعل وتقنع الآخرين بأنه الرجل الذي بعثه الله في الوقت المناسب ليطور هذه المصلحة الحكومية أو تلك، وأنه نقلها نقلة نوعية وتطويرية لا تحلم بها

أشياء كثيرة تُذكرني اليوم بأصنام العجوة، مطبات الشوارع، وغلاء الأسعار، والمشاريع التي تحتاج للصيانة قبل مضي عام على اكتمالها، وأحلام المواطن ومعاملاته الموضوعة على رف الإهمال في بعض الدوائر الحكومية.. كل هذه الأشياء لا بد أن خلفها صنم عجوة مُعطلاً لا يبالي إلا بمصلحته وبما يجنيه من منافع اجتماعية أو مالية على حساب البلد وأهله.. المناهج الدراسية التي تصر على البقاء خارج الحياة وراءها ـ بالتأكيد ـ صف من أصنام العجوة يعيقون الأمل بتعليم أفضل ويصرون على العودة بأبناء الناس إلى عصر الكتاتيب، بل يوهمون المجتمع بأن كل تطوير أو تغيير يطالها ـ أي المناهج ـ فهو يمس الشريعة وكأنه لا حامي لها سواهم، وأيضاً خطط التنمية المتعثرة لو نطقت لترجتك من قلبها أن تخلصها من أصنام العجوة الذين أصابوها في ليلة عرسها بالكُساح، وأخروا فرحها بدراسات الجدوى الطويلة، أو بانتظار ترسية المشروع على (واحد من الجماعة).. وإن أردت البحث عن المليارات التي تصرفها الدولة في كل عام على مشاريع المدن والمحافظات ـ ولا ترى لها أثراً يعادل أصفارها الكثيرة ـ أو التي ما تزال حبراً على ورق، و كذلك الأراضي المقترحة لها فافتح عينيك جيداً وبحلق في الرائح والغادي وستجد لا محالة رجلاً خبيراً ـ عفواً شيئاً ـ يتجمع حوله الناس وينصتون لآرائه الإدارية والهندسية، ويصدقونه مُرغمين حينما ينصحهم بأن هذا المكان غير مناسب للمشروع الذي طال انتظاره، وأنه من الأفضل نقله إلى أرض أخرى تكون واسعة وتلبي الغرض المطلوب منها.
هذا الشيء بالتأكيد هو صنم عجوة يحاول جاهداً أن يُقرب الكعكة من أفواه أطفاله وأحفاده في المستقبل، ولا يهمه حتى لو كان المشروع لا يزال مقترحاً من أساسه أو مجرد توصية لإحدى اللجان وما أكثرها، فهو سيستفيد منه في كل الحالات ـ إذا تعطل المشروع المقترح ـ كطعم لسرقة أرض مجاورة ربما تستهويه وتستهوي أصدقاءه من الذين لا يرون في الوظيفة الحكومية أو المنصب الاجتماعي إلا أداة مناسبة للهبر وبالقانون، ولا تعتقد أن صنم العجوة هذا خارق الذكاء أو أنه (واصل لفوق)، أبداً، كل ما في الأمر أنه نهاز فرص جيد لكل ما له علاقة بالجيب، وأن بعض المحيطين به لهم نفس الطباع والسلوكيات ويأملون في بعض الفتات ولا عزاء للحالمين بالخدمات أمثالي وأمثالك في مجتمعنا الطيب والمسالم، وقد يصطدم أصنام العجوة مع بعضهم البعض ـ وهذا يحصل كثيراً بحسب حجم الكعكة ـ فتطير المشاريع (ويعاد استجواب الشاهد مرة أخرى) وسيحاولون إقناعك بعد ذهاب المشروع الحكومي بأن خلافهم كان ولا يزال من أجل المصلحة العامة التي يعرفونها وحدهم دون بقية الناس، وغالباً ما تجد في كل إدارة حكومية صنم عجوة يطوف حوله الفاسدون ويستشيرونه في الطريقة الآمنة للهبر، ويُعتبر هو المرشد الرئيس الذي يُفصل الملابس القانونية للسرقة ويجد لها المخارج المناسبة.
ولا بد لكل صنم عجوة كبير من أصنام صغيرة تُثني على ما يفعل وتقنع الآخرين بأنه الرجل الذي بعثه الله في الوقت المناسب ليطور هذه المصلحة الحكومية أو تلك، وأنه نقلها نقلة نوعية وتطويرية لا تحلم بها، ومع أنك لا تجد شيئاً على أرض الواقع يعادل ربع تلك الادعاءات المزيفة إلا أنك ستصمت في النهاية أمام رأي الأغلبية المنهوبة دون أن تدري. أصنام العجوة هؤلاء لا يطالهم القانون ـ في الغالب ـ بل هو لعبتهم المفضلة التي يمصون بها المال العام، وسيدخلون في عينيك إن انتقدتهم أو طالبتهم بأن يراعوا الله فيما أوكل إليهم من أعمال، وسيقولون لك ما هو دليلك على هذه التهم الكبيرة؟ بل ستصل الجرأة ببعضهم إلى أن يزعموا أن كل من يقول هذا الكلام فإنما هو حاقد عليهم وعلى من يعتقدون ـ وهماً ـ أنهم في رغد من العيش، وهنا ستتذكر على الفور سيول جدة التي جرفت في طريقها الكثير من أصنام العجوة، قبل أن يبحث الناس عن أدلة كافيـة ضدهم، وقبل أن يفكروا ـ أصلاً ـ أن مثل هذه السرطانات البلهاء تعيش بيننا وتعيث فساداً في البلد والأحـلام والأرزاق! ولا أعتقد أننا نحتاج لأدلة كافيـة لإدانة أي (منتف) يدخل الوظيفة العامة وهو على الحديدة ثم يخرج منها بعد أعوام قليلة وهو من أصحاب الملايين! فهذا خير دليل على أنه صنم عجوة، ولأننا نعرف الكثير عن تاريخ الثقافة الجاهلية من خلال القراءة و مـا يروى من الأساطير المتنـاثرة هنا وهناك، فحبذا لو نطل على فعـل الجاهليين بأصنام العجوة ـ تحديداً ـ التي صنعوها بأيديهـم، وعندما اكتشفوا أنها لا تفيد في شيء أكلوها، وأنا لا أدعـو هنا لأكل الفاسدين خوفاً على نفسـي وعليكم من التسمم، لكنني أدعو لإخراجهم للشمس والنور والمساءلة الجادة، وحينها لن يبقى في الحمى صنم عجوة واحـد يكبح جمـاح أيامنا وليالينا الواعدة.