يقول البعض إن الحياد في أوقات الأزمات ما هو إلا هروب من التصريح بالموقف الحقيقي والذي قد لا يكون متناغما مع الموقف الرسمي أو الموقف المقبول جماهيريا، فبينما قد يكون هذا التحليل صحيحا للبعض إلا أنه
ليس كذلك بالمطلق، ففي أحيان كثيرة قد يكون الموقف الذي يتخذه الفرد نابعا من قناعة شخصيا أو من عدم قناعته من ما طرح من تبريرات أو حقائق.
بطبيعة الحال لا يمكن لنا توقع أن تكون الموضوعية على سبيل المثال هي النمط السائد في طرح الأفكار والمواقف في منصات جماهيرية كتويتر، كما أن الأهداف التي يتم تصميمها في أي حملة إعلامية منظمة غالبا ما تختلط فيها المعلومة الصحيحة مع الرأي الشخصي، وذلك لأن الحملة ذاتها تكون مصممة لتحقيق هدف وإيصال رسالة محددة إما بتأكيد موقف أو التشكيك في موقف آخر، وعليه فإن كل الزخم الذي يحيط أي حملة إعلامية يجب أن نكون حذرين عند التعاطي معه، فلا نتبنى التشكيك بكل شيء، كما علينا ألا نتبنى تصديق كل شيء!
لعقود كانت قناة الجزيرة طعنة في خاصرة الوطن العربي كما وصفها لي المخرج السوري الكبير بسام الملا قبل أكثر من عشرين عاما، في وقت كنت لا أزال أنظر للقناة باعتبارها الانقلاب الحقيقي الذي سينهض بإعلامنا العربي، كنت شابا متحمسا وربما أكثر من اللازم، إلا أن كلماته تلك بقيت مع الأيام النواة التي بها أنظر لهذه القناة، محاولا في حين تبرير رأي أبي شام وفي أحيان أخرى دحضه، حتى وجدت ضالتي مع أحداث الربيع العربي التي كشفت للعالم كم بمقدور هذا الإعلامي المتلبس حرية أن يضلل ويكذب ويخادع، حتى أصبح منهجه هذا عدوى
انتشر لباقي القنوات التي عملت لمجاراة الجزيرة والرد عليها، فالمرض لا يداوى بمرض، ولكن أكثر إعلامنا
لا يفقه ذلك.
نعود للحديث عن الحياد والموضوعية، ونقول: هل هناك بالفعل شيء اسمه حياد إعلامي، وهل الحياد كإعلامي
هو كالحياد كمواطن لا يتحمل حمل رسالة نقل الأخبار للجمهور العريض، هل الصحفي الحربي عند نقله فظاعات الجيوش عليه أن ينقل دون أن يتعاطف مع الضحية ودون أن يصف التجاوزات بأنها فعل شائن، هل بفعله هذا
يفقد مهنيته كصحفي، البعض يقول نعم.
هل يمكن للإعلام أن يكون موضوعيا ويتناول القضايا كما حدثت ويحلل الواقع بناء على وجهات نظر الطرفين
دون أن يقحم في السياق ما يدفع القارئ للانجذاب لذلك الرأي أو ذاك؟ وهل في إعلامنا العربي اليوم أي تجربة يمكن أن تكون رائدة في تطبيق الموضوعية في عملها الإعلامي؟ بالنسبة للسؤال الأول أعتقد أن الجواب هو نعم، وبالنسبة للسؤال الثاني فللأسف الجواب لا.
لم ألتق بأي من الزملاء الإعلاميين خلال الشهر الماضي وتحدثنا عما يدور في تويتر، إلا كان رأينا يتفق بأن هناك فرقا بين الدفاع وتبني موقف الوطن وبين التحول إلى أدوات لمهاترات لم نتصور في يوم أننا سننحدر لها، ما يحدث في بعض إعلامنا يتجاوز عند البعض الدفاع عن الوطن إلى الإساءة له، فلم يكن إعلاميونا في يوم شتامين أو شامتين، وإن كنا هاجمنا وانتقدنا الجزيرة في يوم وما زلنا، فلمَ، وأكررها لمَ يتبنى البعض نهجها!