لكل مجتمع عاداته وتقاليده وسلوكياته ومزاجه ومفرداته التي تميزه عن باقي المجتمعات.

لكل مجتمع عاداته وتقاليده وسلوكياته ومزاجه ومفرداته التي تميزه عن باقي المجتمعات، سواء كانت تلك المجتمعات قريبة أو بعيدة. وتتشكل هذه الموروثات والثقافات في أي مجتمع نتيجة تراكمات وتداعيات وانعطافات يمر بها هذا المجتمع خلال مسيرته الطويلة بحثاً عن الصيغ المثلى والشكل المناسب الذي يُفضل أن يطل به على كل العالم من حوله، حتى وإن ظهر هذا العالم في الكثير من الأحيان مجرد مجتمع بدائي يجاوره، أو قبيلة أخرى تنافسه على بعض المكتسبات والاستحقاقات البسيطة، فالعالم يكبر أو يصغر بنظر أي مجتمع تبعاً لطموحات وتطلعات وإمكانات أفراده، سواء بالشكل الفردي أو الجمعي.
أحاول بهذه المقدمة البسيطة أن أصل إلى فكرة هذا المقال، فالمجتمع السعودي لا يختلف كثيراً عن باقي المجتمعات رغم تشدقه المحموم بالخصوصية التي لا وجود لها إلا في أذهان بعض أفراده وفئاته التي فضلت أن تعيش خارج إطار الزمن وتتمترس خلف هذه الافتراضات الوهمية التي لا يكترث بها غيرهم.
تُعد المفردات الأكثر استهلاكاً ورواجاً وجدلاً في المجتمع السعودي مؤشراً مهماً لطبيعة هذا المجتمع، ومقياساً حقيقياً لفهم البنية الفكرية والثقافية لمكوناته البشرية، واستطلاعاً واسعاً لمعرفة المزاج العام لوطن يتوسد الرمال القاحلة والمناخات المتباينة والمتقلبة تماماً كما يتوسد الثروات الطائلة والإمكانات الاستثنائية، سواء المادية أو البشرية. وطن تُرصد كل تفاصيله الصغيرة قبل الكبيرة، سلبياته قبل إيجابياته، إخفاقاته قبل إنجازاته.
السعودة، المواطنة، الإصلاح، التمييز، التطوير، الخصوصية، الآخر، التسامح، البطالة، التنمية، البيروقراطية، الحرية، القبيلة، والكثير الكثير من المفردات التي يزدحم بها القاموس السعودي للمفردات الأكثر شيوعاً. لا أحد يُنكر أن بعض هذه المفردات الجدلية وغيرها ليست تخصصاً سعودياً فقط، ولكنها في الواقع تُشكل أزمة وطنية بامتياز، بخلاف المجتمعات المتحضرة التي تتعاطى مع هذه المفردات الانعكاسية باعتبارها عنواناً مكثفاً لمشكلات وصعوبات وتحديات، وذلك بشكل يتناسب وأهميتها وتأثيرها في ترابط وتناغم تلك المجتمعات، بينما هنا يختلف الأمر كثيراً، حيث تتصدر تلك المفردات المثيرة صفحات المشهد اليومي في حياتنا ومنذ مدة طويلة، ولكن بالطريقة الأثيرة والمفضلة لدينا، فهي ـ أي تلك المفردات ـ ليست سوى أدوات ساذجة لإدارة صراع عبثي لا طائل منه ساهم وما زال في إفشال وتعطيل الكثير من المشاريع التنموية الطموحة، والإصلاحات الكبيرة في الكثير من المفاصل والمؤسسات والدوائر المترهلة، صراع سقيم لم يسند المشروع الإصلاحي الكبير الذي تبناه وما زال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه الحكم في الأول من أغسطس 2005م، بل ومن قبل ذلك، فحتى الآن وللأسف الشديد ما زال الإصلاح في مربعه الأول، مربع التنظير والحلم والورق والأمنيات، بانتظار أن يخرج إلى حيز التنفيذ وعالم الواقع، إصلاحٌ يعتمد على برامج وأدوات ومعايير تتسم بالشفافية والواقعية والجدية، ويخضع لزمن محدد لضمان إنجازه وقياسه.
لكل منا قاموسه الذي يحوي تلك المفردات وغيرها، ولكن الأزمة الحقيقية التي تواجهنا جميعاً، هي التفسير المناسب والمعنى الحقيقي لتلك المفردات، هذا بالإضافة طبعاً إلى منطقية الترتيب لتلك المفردات، سواء من حيث الأهمية أو الأكثر شيوعاً أو الأكثر خطورة، بعيداً عن الطرق والأساليب التقليدية المتبعة في كل القواميس المتنوعة والمختلفة. قاموس المفردات السعودية الأكثر شيوعاً مجلد ضخم جداً، بحجم كل الصعوبات والتحديات والأزمات التي تُعرقل مسيرة التنمية الوطنية في مختلف المجالات، تلك التنمية التي نسمع عنها الكثير دون أن نلمسها.
وأخيراً عزيزي القارئ، هل تستطيع الإجابة على هذا السؤال البسيط: ما أهم خمس مفردات سعودية تجدها ـ برأيك ـ الأكثر إثارة وشيوعاً في المجتمع السعودي؟