ترى إلى متى سيستمر الخلط بين التعليم والانتماءات الخاصة بالفرد في الوطن العربي، ومتى سيكون للتعليم دوره التربوي في مكافحة بقايا فكر الصحوة العشوائي
حرصت الصحوة كثيرا على اختطاف ما تستطيع من مفاصل التعليم في كل مكان حل فيه فكرها، وركزت ومن وقف خلفها، على تعليم البنات أكثر من تركيزها على أي ناحية أخرى في المسألة التعليمية، حيث كان له النصيب الأكبر من الاستحواذ، لإدراكهم أن المرأة في المنزل تدير كل شيء وتربي جيلا وأجيالا، رأت الصحوة أنه يجب أن تحمل أيديولوجيتها، وأن هذه المرأة هي عنصر مهم في خطة تنفيذ رؤيتهم للمستقبل الذي يريدون تشكيله.
وإليكم قصة لوحة من بقايا تعليم الصحوة للبنات:
عبدالرحمن.. شخص يعيش حالة وعي جيدة بالمجتمع والعالم من حوله، ويكتفي بملاحظة الأشياء على طبيعتها، ويقرر على ضوئها طريقة تعامله مع الناس والمجتمع من حوله.
يعيش عبدالرحمن مع أسرة صغيرة مكونة من عدد من الأطفال وأمهم، بسعادة وطريقة منظمة وهدوء.
لعبدالرحمن إخوة وأخوات يختلفون عنه على مستوى الوعي الفكري، بعضهن يعشن تحت سطوة الفكر الصحوي نتيجة التأثر بالثقافة التي تم تسويقها على أنها صلب الدين ودور المرأة الحقيقي في الحياة..! (وقد أكدت الصحوة دائما على هذا بشمولية عجيبة)..!
إحدى أخوات عبدالرحمن مديرة مدرسة، والثانية معلمة، والبقية عاملات وربات منزل، ويواجه عبدالرحمن كحاله مع كثير من الناس في الشارع، الكثير من التعب في التعريف بالفكر والوعي والثقافة غير المقيدين بأيديولوجيا، ويحاول توضيح أن ما جاءت به الصحوة ليس هو كل العلم ولا أصحه، وأن ما كان يتم نشره في المطويات والشريط الإسلامي حول الحجاب والصدقة والتدين والحرية، وكثيرا مما نسب إلى الدين، لم تكن له أرضية فقهية قوية، بقدر ما كانت حركة انتهازية لتحقيق مآرب سياسية خاصة تحت غطاء ديني، ويجد عبدالرحمن معاناة كبيرة في الحديث معهن عن تلك الأمور، وعن كثير من الخزعبلات التي كرستها الصحوة كمفاهيم وأسس دينية، والقصص عن الكرامات التي تم تلفيقها في تلك الفترة.
ينتقل عبدالرحمن للعمل في مدينة أخرى، وهنا تبدأ معاناته بشكل جديد هذه المرة، على مستوى أطفاله الصغار، خاصة بناته اللاتي يدرسن في مراحل مختلفة.
يذهب عبدالرحمن لتسجيل أطفاله في المدارس، ويلفت انتباهه من أول يوم.. لوحة عن الحجاب موضوعة على جدار مدرسة ابتدائية للبنات، رسم عليها شكل لما وصف بأنه امرأة متلفعة بالسواد -أي محجبة بالكامل- وكُتب على اللوحة عبارة.. «الحجاب.. حجاب لي ولك من النار»، وكتبت كلمة «النار» بلهب نيران مستعرة!!
ولوحات منشرة في بعض الأماكن تحمل عبارات مختلفة مثل «الحجاب وقاية من النار» و «تعرف الرجل من عباية أهله، فمن لا يقدر على ستر أهله أمام الناس لا يقدر عليهم في بيته»... تخيلوا..!!
توقف عبدالرحمن كثيرا عند هذه اللوحة على مدخل بوابة المدرسة الابتدائية للبنات!! تردد في تسجيل ابنته فيها، ذهب للبحث عن مدارس أخرى.
اضطر عبدالرحمن بعد أيام من البحث لتسجيل ابنته في تلك المدرسة القريبة من حيه ومنزله، وبدأ يذهب بطفلته إليها صباح كل يوم، ويتأمل في تلك اللوحة الغريبة التي لم تراع أي شيء يخص نفسيات الفتيات الصغيرات في المدرسة وما ستخلده في ذاكرتهن، وسلبية مثل هذه اللوحة التي تبدأ الطالبة الطفلة يومها الدراسي والحياتي بالتهديد والوعيد بدلا من الدعوة بالتي هي أحسن التي أمر الله باتباعها في القرآن الكريم (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..)، ومراعاة ما سيعكسه ذلك على حياة طفلات صغيرات.!
لم يستطع عبدالرحمن الانتظار كثيرا، فأرسل بصورة اللوحة إلى إدارة التعليم في المنطقة، وانتظر أشهرا، فلم يحدث شيء حتى انتهى الموسم الدراسي!
تأملوا في تأثيرات ما يمكن أن تعكسه مثل تلك اللوحة ولغة التهديد والنيران على شخصية الأطفال، وكيف أن البحوث والدراسات أثبتت خطأ مثل هذه الرسائل السلبية على نفسيات البشر وتربيتهم، وسلوكياتهم المستقبلية.
تنتقل طفلته من الصف الأول إلى الصف الثاني، واللوحة لا تزال على مدخل المدرسة.
مع بداية العام الدراسي الجديد يذهب بابنته إلى المدرسة في أول يوم دراسي جديد، ويفاجأ بوجود اللوحة ماتزال باب المدرسة..؟!
سأل نفسه؛ تُرى إلى متى سيستمر الخلط بين التعليم والانتماءات الخاصة بالفرد في الوطن العربي، ومتى سيكون للتعليم دوره التربوي في مكافحة بقايا فكر الصحوة العشوائي، وكم من المدارس تحمل داخلها دروسا للخوف والتهديد والترهيب باسم الدين؟!
قال: سأترك الأمر لله لعله يحُدث بعد ذلك أمرا، ومضى.