يجب على اللغويين أن يدرسوا كل نظام تواصل خاص بمجموعة ما على حدة، فعدم تكريس الوقت والجهد لدراسة نظام لغوي جديد لا يعني عدم فعاليته

ينقسم اللغويون فيما يخص مسألة تصنيف لغة ما كلغة إلى جماعتين: الجماعة الأولى تشترط أن تكون اللغة ذات قواعد ثابتة وأن تكون محكية أو ملفوظة (verbal) لكي ترقى أن يطلق عليها اسم لغة. أما الجماعة الثانية فتؤكد أن القواعد وتراكيب الجمل يجب أن تكون ثابتة ومعروفة لدى المتحدث (المرسِل) والمتلقي (المستقبِل)، ولم يشترطوا أن تكون اللغة محكية.
من هذا المنطلق، ما الإجابة الصحيحة حين يوجه لك طفلك سؤالا بريئا حول ما إذا كانت الحيوانات في الحديقة تتحدث إلى بعضها البعض؟ من تقسيمات علماء اللغة يتضح لنا أن بعضهم لا يعترف بلغة الحيوانات وغيرها من الكائنات الحية، بينما يعترف قليل منهم بها، وأرجح القول الأخير مستندة إلى منظورين. أولا، من المنظور اللغوي نُعرّف اللغة بشكل عام ومبسط وهي شفرة (code) ومجموعة من الإشارات والرموز بغرض التواصل بين جماعة أو أكثر. من التعريف يتضح أن الغرض الأساسي من اللغة هو التواصل (communication)، ولنفرض أن النحل يرسل إشارات وذبذبات على الشكل الآتي: (— •— •) وتعني هناك خطر، و (•—•) تعني هناك رحيق، وهذه الصيغ لا تتغير أبدا وتتكرر في مملكة النحل، فاللغة غير محكية ولكن لها قواعد معروفة، إذن نستطيع أن نصنفها كلغة.
هنالك بالطبع الكثير من لغات الحيوانات التي كانت موضع الدراسة لعشرات السنين مثل لغة الحيتان والقردة. إن شرط توفر النظام اللفظي أو المحكي للغة ما ليس ضروريا -من وجهة نظري- للاعتراف بها كلغة. لأن لغة الإشارة للصم والبكم (sign language) لغة قائمة على الإشارة لا الصوت، وهي لغة رسمية. فيجب على اللغويين أن يدرسوا كل نظام تواصل خاص بمجموعة ما على حدة، فعدم تكريس الوقت والجهد لدراسة نظام لغوي جديد لا يعني عدم فعاليته. والنقص الذي نعتقد وجوده في لغة ما هو نقص في الأدوات الخاصة مثلا عدم توفر أجهزة متطورة لقياس ذبذبات النمل. وهذه النقطة تؤدي إلى المنظور الثاني وهو المنظور الديني، وأستدل على ذلك بالآيات الكريمة التالية: (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) (الإسراء:44)
(ألم تَر أنّ الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) (النور:41) (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) (الحشر:24)
إن جميع المخلوقات من الحيوانات والنبات والجماد تسبح الله، وهنالك مواد جميلة تحت عنوان (فزلجة النبات) وفيها يثبت أن النبات يحس وله حياة نفسية، أيضا في سورة النمل من آية 14 إلى آية 19 ابتداء من قوله تعالى (ولقد آتينا دَاوُدَ وسليمان علما) وصولا إلى قوله جل وعلا (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون). فالله أنعم على سليمان بنعم كثيرة، منها منطق الطير والدواب. فسبحان الله عدد ما كان وما يكون وعدد ما سبحه المسبحون مما خلق في السموات والأرض وبرأ -ما زال هنالك وقت لكي نتفكر-.