الدمام: هند الأحمد



في الوقت الذي تعد المملكة من أكثر الدول في العالم معاناة من الصدأ في أنابيب النفط والغاز، إضافة إلى تآكل الخرسانة، بتكلفة أكثر من 13 مليار دولار «48.75 مليار ريال» سنويا، ابتكر باحثون في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن طلاءٍ اقتصاديا عالي الجودة يقاوم الصدأ، مستخرج من إطارات السيارات المستهلكة، يوفر 70% من تكلفة المعالجة. وأعلنت الجامعة تأسيس شركة قائمة على التقنية المبتكرة تحت مسمى «طلاء»، يديرها رائد أعمال من الخريجين.
وكان عميد البحث العملي بالجامعة، الدكتور ناصر العقيلي، تمكن من تطوير طريقة لاستخلاص مادة من المطاط الصناعي في إطارات السيارات المستهلكة، واستخدامها في صنع  طلاء عازل، ذي فعالية عالية في مكافحة الصدأ في أنابيب النفط والغاز، كما تمكّن من استخدام المادة لتطوير طوب بناء ذي خصائص عزل حراري عالية، تتفوق على مواد العزل التقليدية.

الجدوى الاقتصادية

قال العقيلي، إن ميزة المواد المبتكرة أنها ذات جدوى اقتصادية عالية، إذ تمكن هذه التقنية من الحصول على طلاء عالي الجودة، بثلث ثمن الطلاءات التقليدية، وطوب عازل بنصف القيمة، كما أن هناك بعدا بيئيا للمشروع، لأن المادة المستخلصة كانت تحرق وتتسبب في انبعاثات بيئية خطرة، مما يجعل التقنية ذات أثر بيئي كبير، فضلا عن الجدوى الاقتصادية.
وأضاف، أن التقنية حصلت على 3 براءات اختراع من مكتب براءات الاختراع الأميركي، وتجاوزت مرحلة إثبات الفكرة والاختبارات المعملية، وتم إنشاء شركة قائمة على هذه التقنية، يرأسها رائد أعمال من خريجي الجامعة، وهي حاليا في طور التسويق.
وأضاف العقيلي «لدينا قصة مميزة لابتكار وطني، إذ إن براءة الاختراع صادرة عن جامعة وطنية بجهود علماء سعوديين، وتم تطوير التقنية وأخذها لمراحل أكثر تقدما في مستوى جاهزية التقنية، خلال المنظومة الابتكارية التي طورتها جامعة الملك فهد، وصولا إلى إنشاء شركة باسم «طلاء» قائمة على المنتج، يملكها رائد أعمال من خريجي الجامعة».

الطوب البركاني

أوضح العقيلي، أن دراسات الجدوى أثبتت أن التقنية تتمز بقيمة اقتصادية عالية جدا، فمتوسط قيمة لتر الطلاء التقليدي 30 ريالا سعوديا، بينما نستطيع خلال التقنية إنتاج طلاء بجودة عالية تصل تكلفة اللتر منه إلى 9 ريالات فقط. وهناك بُعد بيئي مهم للابتكار، لأنه يقوم على الاستفادة من إطارات السيارات التي ترمى وتحرق، مسببة أضرارا بيئية بالغة، فقد استخلصنا المطاط الصناعي الذي يتبخر عند تسخينه، وكان من غير الممكن إعادة تدويره، وتم تحويله إلى طلاء ذي جودة عالية يتم استخدامه في طلاء مختلف الأنابيب، خصوصا أنابيب النفط والغاز. وقال «إن الطلاء الجديد أكثر فاعلية من الطلاء التقليدي، بينما تكلفته أقل من الثلث، وقد استطعنا تحويله من مادة ضارة ليست لها قيمة إلى مادة ثمينة ومفيدة».
وفي تطبيق مختلف للتقنية، قال العقيلي، إنه تمت الاستفادة من المادة المستخلصة من إطارات السيارات واستخدامها كمادة عازلة في جدران المنازل، إذ استطعنا تطوير طوب يكون ذا قدرة عزل أكثر من الطوب البركاني الذي يستخدم بنصف سعره.

اختبارات ميدانية

أفاد العقيلي «لقد انتهينا من مرحلة إثبات المبدأ في تقنية طلاء الأنابيب، ونقوم حاليا بإجراء اختبارات ميدانية، ووصلنا في جاهزية التقنية إلى مستوى 8، وبقيت أمامنا خطوتان فقط لتكتمل الدورة، ويصل الطلاء إلى جميع أسواق العالم».
ويتم حاليا النقاش مع شركة أرامكو السعودية، من أجل الاختبارات العملية على المستوى الصناعي، وعند إتمام الاختبارات سنحصل على اعتماد للمنتج من أرامكو، يمكّننا من تسويق المنتج على مستوى عالمي.
كما قام الفريق البحثي بدراسة سوق الطلاء في العالم، والذي يتجاوز 253 مليار دولار في 3 سنوات فقط، ولو استطعنا الاستحواذ على نسبة نصف في المئة فقط من هذا السوق، فنحن نتكلم عن دخل وطني بمليارات الدولارات، وأثبتت حساباتنا أن الشركة قادرة على إعادة رأس مالها في 9 أشهر فقط.

تكلفة الصدأ

بيّن العقيلي أنه بالنظر إلى السوق المحلية، نجد أن المملكة من أكثر الدول في العالم معاناة من الصدأ، خصوصا في أنابيب النفط والغاز، إضافة إلى تآكل الخرسانة، إذ يكلفنا الصدأ أكثر من 13 مليار دولار سنويا، كما أننا من أكثر الدول استهلاكا للإطارات.
وزاد «حرصنا في مشوار تطوير هذه التقنية أن يكون الإنجاز سعوديا 100%، ابتداء من البحث وحتى تأسيس الشركة، فالباحث الذي سجلت البراءة باسمه وجميع مساعدية سعوديون، كما أن رائد الأعمال الذي يستثمر في التقنية من خريجي الجامعة، ونحرص أن تكون الجهات المستفيدة سعودية، ونلاحظ اهتماما كبيرا بهذه التقنية من شركات محلية.
وقال «في ابتكارات جامعة الملك فهد عموما ما زلنا نعمل للتغلب على عقبة التسويق، مؤكدا أن أهم وسيلة للتغلب على هذه العقبة هي قصص النجاح، وتقديم أدلة ملموسة للمستثمرين».
وأضاف «ليس لدينا نقص في القدرات، على الرغم من أن البيئة الاستثمارية في الابتكارات ليست محفزة بالقدر الذي نشاهده في الدول المتقدمة، وما زلنا نأخذ وقتا أطول».

الاقتصاد المعرفي

أشار العقيلي إلى أن هذه التقنية إحدى التقنيات الكثيرة التي ستقدمها جامعة الملك فهد إلى السوق المحلية والعالمية، تفعيلا لإسهامها في  الاقتصاد المعرفي، وقال «أبحاثنا لم تعد مدفوعة بالفضول العلمي فقط، بل إننا نحرص على البعد الاقتصادي،  فالمرحلة لم تعد مرحلة براءات الاختراع التي تظل حبيسة الأدراج بسبب عدم امتلاكها الملاءة والوعي التقني، أو بسبب ملاءمتها نظريا واستحالة تطبيقها عمليا، وعدم نجاحها في مرحلة إثبات المفهوم، ولم تعد مرحلة الابتكارات ذات الجدوى الاقتصادية الضئيلة التي لا تلتفت إليها الشركات».
وأضاف «نلاحظ أيضا تسارعا في سير التقنيات، فمثلا تقنية التكرير الحفزي استغرقت 20 سنة لتصل إلى وضعها الحالي، لتصبح مصفاة حقيقية تكرر عشرات الآلاف من البراميل يوميا، بيما لم تستغرق شركة «قرادينت» التي أنشئت في الولايات المتحدة -بناء على تقنية من الجامعة- سوى 3 سنوات فقط، وهذا يدل على أننا نسير في الاتجاه الصحيح، ونتعلم كيف نختصر الجهود».