خطر التطرف يتزايد لأن المجرمين الذين يعملون على تجييش الإمعات واستخدامهم لتنفيذ خططهم الجبانة لا يأتون من الباب، بل يتسللون للبيوت من خلال وسائل مختلفة كمقاطع اليوتيوب والرسائل المليئة بالبكائيات

أي جوع يعاني منه المتطرفون ليجتمعوا دائما حول موائد الموت كالذباب؟ أقول هذا وأنا أسترجع الإنجاز الأمني العظيم مؤخرا في مكة المكرمة والذي أنقذ به الله سبحانه خلقا كثيرا من الموت بأمره وبتوفيقه سبحانه لرجال أمننا اليقظين، وبقيادة الأمن في بلادنا التي لا تألو جهدا في متابعة المتطرفين الجبناء وسحق إرهابهم الدنيء بضربات استباقية تكف شرهم عن البلاد والعباد.
لا يخفى كذلك أهمية وعي المواطن ودوره الفعال في تعطيل التطرف وإيقاف الآثار المرتبطة به، كالإرهاب والتصنيف ومحاولات إخراس المختلف من خلال رصد ما يحدث في دوائره الاجتماعية، وعدم التهاون مع مؤشرات التشدد.
إن تزايد الحوادث المرتبطة بالتطرف ووليده المشوه الإرهاب حول العالم مقلق جدا، والمذهل أن القتلة في مثل هذه الحوادث يلوّحون بالدين وينتهكون أرواحا بريئة في سبيل ما يرون أنه الحق، والدين منهم بريء براءة الذئب من دم يوسف!
لكن السؤال المحير هو كيف سُلخوا من إنسانيتهم وهم أحياء وما زالوا يمشون بين البشر؟ كيف تحولوا لمكائن
قتل لا تتورع عن تصفية المخالف؟ ربما لو درسنا البيئة التي نما فيها القتلة لاكتشفنا تشابها في توجهات المحاضن الأولى أي البيت والمدرسة والمجتمع الصغير نحو تعزيز التشدد، حتى مع اختلاف ديانات هؤلاء المتطرفين وظروفهم الاجتماعية الأخرى، فالفشل في التعاطف ومحاولة إقصاء الآخر أو إخراسه أو محوه من الوجود بسبب الاختلاف العرقي أو الديني لا تتنامى في يوم وليلة.
المتطرفون في أي مجتمع ينقسمون لقادة وأتباع، وأحيانا يشكل الأتباع خطرا أكبر على المجتمع، لأن تعصبهم
بلا فهم، وولاءهم الأول هو لقادة تنظيماتهم. لكن ما الذي يحدث عندما يتراجع القادة عن اختياراتهم المفرطة في الغلو؟ يلاحظ المتابع للمشهد الاجتماعي أن تراجع قادة التطرف عن آرائهم يؤجج غضب الأتباع الذين يرون في هذا التراجع خيانة لقضية ما تستدعي الانقلاب على قائد التطرف وعلى المجتمع الذي تمكن من استصلاحه من
باب عليّ وعلى أعدائي.
والمتطرف التابع غير قادر على النقاش إما لغياب المعلومة عنه وتسليمه لرأسه بالكامل لقادته ليديروه في أي
اتجاه أو لأنه يعتقد أن المصلحة في بقاء الحال كما هو، ولذلك يجنح دائما للبذاءة وكيل الاتهامات أو استدعاء الحكومة لمعاقبة من يخالفه، ولا أظن البذاءة تصلح للدفاع عن أي قضية نبيلة لتعارض الهدف مع الوسيلة، فالقضايا الرابحة لا تحتاج للبذاءة.
بعض المتطرفين كذلك يريد تحقيق مكاسب ما من المتاجرة بقضايا التطرف إما على الصعيد المادي أو الاجتماعي من خلال الترويج لها واستمرارها، ولذلك يحول المواجهة مع المختلفين مع تعصبه الهش لعنف لفظي أو أحيانا جسدي عند المواجهة.
موجات العنف والعنف المضاد مؤخرا صبغت العالم بلون الدم وخلّفت عددا كبيرا من الضحايا الذين لم يقترفوا أي خطأ! كان الجرم الوحيد لهم هو التواجد في الوقت والزمان الخاطئ المتزامن مع وجود متطرف معتوه يظن أن إيمانه يعطيه الحق للحكم على خلق الله، ومحاولة تطويعهم وتسييرهم بالقوة. التطرف والعدوانية التي تصاحبه وتسهم في إرهاب المجتمع وتخويفه يجدر رفضها ومواجهتها بحزم بغض النظر عن توجه الضحية، فالتطرف ومرآته القبيحة المتمثلة في الإرهاب مرفوضان، سواء كان الضحية مسلما يصلي القيام أو يحتفل بالعيد أو سياحا صغارا في السن يمضون ليلة سبت في مكان ما على نهر التايمز، ووقوف الإنسان للتفكير في دين الضحية أو هويته أو توجهه قبل التعاطف معه مؤشر لاعتلال الإنسانية.
إن التساهل في كشف سوءة تفكير المتطرفين يسهم في تزايدهم ويمنحهم حصانة غير مستحقة يجب تجريدهم منها بالإعلان عنهم وتعرية أفكارهم وأساليبهم.
فعلى سبيل المثال، الإرهابي الذي اشترك في تفجير جسر لندن تم الإبلاغ عنه أكثر من مرة بسبب سلوكه المتشدد، فقد بلّغت عنه جارته الأوروبية نتيجة لمحاولاته المستمرة التواصل مع أبنائها القصر وجدالاته الدينية معهم.
كما بلّغ عنه صديقه الذي لاحظ انكبابه على مقاطع المتشددين في اليوتيوب ومتابعته لهم، وكذلك تبريراته والتماسه العذر للاعتداءات التي ينفذها المتشددون حول العالم.
يقول صديقه: «لم يكن صديقي متطرفا، بل تم تحويله إلى متطرف واستغلاله في الإرهاب وتجييشه بإثارة عواطفه وتوليد الأحقاد في نفسه ضد مجتمعه من خلال مشاهدته المستمرة لمقاطع أحد المتشددين، التي لا أعرف كيف تسمح إدارة اليوتيوب بوجودها في ملفاتها، حاولت إنقاذه من نفسه لكني فشلت ولم يعرني النظام اهتماما».
خطر التطرف يتزايد لأن المجرمين الذين يعملون على تجييش الإمعات واستخدامهم لتنفيذ خططهم الجبانة لا يأتون دائما من الباب بل يتسللون للبيوت من خلال وسائل مختلفة كمقاطع اليوتيوب والرسائل المليئة بالبكائيات والتي تركّز على تهييج العواطف ورفع مستوى المظلوميات، سعيا إلى تسميم المجتمع وتحويله لمطحنة يأكل بعضها بعضا، لذلك فالرهان الآن هو في توعية المجتمع وتسليحه بالأفكار البناءة، وتكثيف الحراك الثقافي الواهي لحماية الجيل القادم وإنقاذه من حملات التجهيل وبؤر التطرف.