حياة الإنسان تجارب كما يقال، ولن نختلف في ذلك، الاختلاف حول أي من هذه التجارب يصلح أن يروى للعامة للاستفادة أو أخذ العظة والعبرة.
وحتى الرواة الذين خاضوا هذه التجارب، هل عاصروا الحياة بما يكفي ليحق لهم أن يصبحوا في مقام من خبر الظروف وصارعها؟ وهل التجارب لا تتراكم إلا لدى نوعية معينة من الأشخاص، وفي مجالات محددة تصنف على أنها مجالات الشهرة؟
هذه التساؤلات تبرز ونحن نشاهد بعض البرامج التلفزيونية التي تبني مادتها على ما لدى ضيوفها من مجموعة تجارب إنسانية، اكتسبوها خلال سنوات عاشوها في صراعات مختلفة، ولكن بحكم أن الفئة المستضافة تنحصر في المشاهير، فالتنوع مفقود لأن هناك آخرين لهم مع الحياة قصص بل ملاحم، غير أن طريق الشهرة ظل مسدودا، وإن كان قيمة ما لديهم لا يقارن بما لدى المشاهير الذين لم يتعد بعضهم سن الطفولة، غير أنهم في نظر الإعلام مشاهير تصرف القنوات الفضائية من وقتها الزمن الطويل ليكونوا هم الضيوف وأصحاب التجارب التي لا تتعدى أحيانا المشكلات العائلية على رعاية أو حضانة، بينما هناك من هم في أعمارهم حققوا إنجازات عوضا عن التجارب، وهم الأولى بأن يكونوا ضيوفا كما كانوا يوما على منصات التتويج مكرمين، حققوا إنجازات غير مسبوقة، لكنهم بعيدون عن قنوات الإعلام ومؤسساته، والتي حصرت ضيوفها المحظيين بالرعاية والمتابعة، في نوعية معينة من الأنشطة أو الهوايات التي لا ننكر أن صاحبها قد يبدع فيها ويصل إلى الشهرة، ولا نقلل من أي مجال بطبيعة الحال، فكل المجالات رحبة، لكن أن تتركز القدوة والإنجاز في مجال أو هواية هذا هو نقطة الخلاف، ومن سلبيات النمذجة في تصنيف نوع الخبرات أو الهوايات التي ضخمت وأصحابها، أن البعض صب تركيزه ليصل إلى مصاف هؤلاء، من خلال النفوذ إلى مواقع التواصل وبأعمال وتصرفات تدخل في باب الاستهبال والسطحية، وبفضل تهيئة المساحة من قبل ترويج الإعلام لهذه النوعيات حصد المتابعة والتشجع، بل أضحى قدوة للبعض فيما يقوله ويفعله، ونعود إلى التساؤل: أي قدوة لشخصية جميع ما تفعله رقص على شيلات، وتنقّل من مجلس لآخر؟ وأخرى من مول إلى آخر لتضحك وتلبس وتضع الأصباغ؟
الواعي سينفي أن تكون هناك من فائدة تذكر، والسواد الأعظم ممن يتابعون هؤلاء ستحول التساؤل إلى استنكار يعقبه هجوم، لأن تلك القوائم التي تطول في وسائل التواصل هي وسيلتهم للضحك «والوناسة» في واقعهم الكئيب، كما يقولون.