سنتبرأ من الجهل وأهله، وسنبني مجتمعا قويا، وسننبذ كل مظاهر الخرافة والدجل، وسنتقدم على الأمم أجمع، وسننبذ عنا جميع أشكال الرجعية

عندما يتوقف قلمك عن الكتابة، لأنك لا تجد ما تكتبه، أمسك بالقلم جيدا، وضعه على الورق، ودعه يكتب، واعلم أنه لن يُخرج إلا المكنون في نفسك، والمنقوش في صدرك!
أمسكت بالقلم جيدا، ووضعته على الورق، فكتب عن ما يدور في نفسي، فقال: ما بال شعوبنا تتأخر؟ وما بال عقولنا تتوقف عن التفكير عند بعض الأمور؟ وما بال الأمم تتطور، ونحن ما زلنا نتقهقر؟ وما بال القطيع من البشر، يساقون كما تساق البهائم؟
أكمل قلمي الكتابة، فأخرج المنقوش في صدري، وقال: لم نراع تطور الزمان، ولم نعاد كل جهل كان، نؤمن بما
لا نعلم حقيقته، ونكفر بكل ما يخالف تأويله، ومتنه فيه عدة أوجه، ولكل وجه فيه علامات، ولكل رأي فيه دلالات، وله رهبان يشترون من دكانه، وله أقوام يتبعون ولا يتفكرون، وله أقوام يختارون منه ما يشاؤون ولا يعقلون، ويدفعون منه ما لا يشتهون ولا يوقنون.
قلمي فضح ما يدور في نفسي، والنقوش في صدري يبدو أنها غائرة، لعل قلمي أسرف في تجاوز الحدود.
ارتجفت يدي بعدها فتوقف قلمي.! ها قد عاد قلمي يكتب من جديد بعد أن أرحت يدي حتى لا ترتجف، فقال: ما بال الفقير قريب من الغني، ولا يغنيه، وما بال الغني قريب من الجور ولا يمنعه، وما بال المسؤول قريب من الفاسد ولا يعزله، وما بال الظالم قريب من النار ولا يهلكه. وما بالك أنت قريب من الحق ولا تتبعه.
ما بال قلمي يكتب بلا تصريح.! ربما منعه الخوف من التصريح.! فكتب بلا تصريح وتوضيح، ولكنه بذلك من السهولة أن ينقد.!
شددت عليه بأناملي فنطق على الورق قائلا: ولم التصريح والتوضيح لمن لا يستطيعون فهم التوضيح، ولا التصريح ذلك أن بعضهم موسوم كما توسم البهائم عند ولادتها، فليس من السهل على البهيمة أن تمحو وسمها، ولكن يمكنها بسهولة أن تنطح من وسمها.
يدي ترجف ثانية، أتخشى من القلمِ! أو أنها تخشى مما كتبه قلمي! لعل يدي الشمال تستطيع أن تكتب.! أمسكت القلم بشمالي، وأنا كاره فكتب، وقال: يدك اليسرى لا تعرف أن تكتب جيدا.! الآن تعلمها الكتابة، كيف تريد منها أن تكتب، وقد أهملتها طوال هذه المدة فلم تعلمها.! لن أكتب أي شيء، بل لا أعرف أي شيء. سئمت من قلمي ومن الكتابة. ألقيت القلم، والورق، واخترت أن أنام.!
رأيت في المنام أني عاودت الإمساك بالقلم، ولم أشعر بقبضته، ولا ملمسه، ولكني أعلم أنه قلم من النوع الفاخر، فلما استحكمت يدي عليه، كتب فقال: سنتبرأ من الجهل وأهله، وسنبني مجتمعا قويا، وسننبذ كل مظاهر الخرافة، والدجل، وسنتقدم على الأمم أجمع، وسننبذ عنا جميع أشكال الرجعية، وسنبجل العلم وأهله، وسنعري الجهل وأهله، وسنعدل بين الناس بلا تفريق، وسنحكم بين الناس بلا تفضيل، وسنمنع الظالم أن يظلم، وسنعيد للمظلوم حقه، ولن نبيع الدين بالدنيا، ولن نجعل الدنيا مكانا نموت فيه، بل سنجعل منها مكانا نحيا عليه.
استيقظت من المنام فلم أجد حولي ورقة ولا قلما.