نشر منذ فترة وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى تغريدة في حسابه الشخصي بـ»تويتر»، منبها إلى نسبة الغياب الكبيرة في المدارس، ويدعو فيها إلى مزيد من الانضباط.
تمعّنت كثيرا في مقولة الوزير، وعدت بذاكرتي إلى أيام مدرستي الابتدائية.
لا أذكر أنني كنت أتغيب عن المدرسة إلا لسبب قاهر أو مرض، ورغم أنني كنت طالبا متفوقا، وتم تكريمي بالتعليم عدة مرات، إلا أنني لا أذكر أنني كنت أحب كثيرا الذهاب إلى المدرسة.
نعم، كنت أحب زملائي ومعلمي، إلا أنني لم أحب أبدا ذلك الشعور بالهمّ والثقل اللذين يرزحان فوق قلبي، من ذلك البعبع الذي كان اسمه الامتحانات.
كان كل شيء يتمحور حول الامتحانات. فالمعلم يذكّرنا: «هذه المسألة مهمة وربما تأتي في الامتحان». الأهل: «اِستعدْ للامتحان وإلا لن تحصل على درجات كافية».
بل حتى أناشيد التلفاز، أذكر أنشودة تلك الطفلة في القناة الأولى، «ذاكر دروسك أول بأول تنجح وتصير الأول».
جميل حقا الاهتمام بالدراسة والتفوق، ولكن التركيز على الامتحانات وإغفال حقيقة أن التعليم يجب أن يُمارَس ويُطبَق في كل نواحي حياتنا العملية، يفقد التعليم شغفه، ويجعله رتيبا إلى الحد الذي يحدو بطلابنا إلى التفكير في الوقت الذي يغادرون فيه المدرسة، أو يمزقون كتبهم بعد الامتحانات، أو يتغيبون في الأيام الأولى والأخيرة من الفصل الدراسي.
أذكر مكتبة المدرسة، كنت أستمتع بالذهاب إليها واستعارة الكتب والقصص منها، والآن لا أذكر أن أحدا من أبنائي أو أطفال العائلة، يذكرون شيئا عن وجود مكتبة للكتب في مدارسهم.
أحببت حقا حين كنا نذهب إلى معمل العلوم، ونقوم بممارسة التجارب بأنفسنا، وتنميت لو أننا كنا نقضي وقتا أطول في المعامل، ونمارس بشكل أكبر الدراسة التطبيقية، وبشكل أقل الدراسة النظرية.
ولست أبالغ حين أقول، إن التعليم النظري والتلقين دون التطبيق العملي يُمارَس لدينا في جميع المراحل الدراسية حتى الجامعية منها، وأجده عصيا على عقلي أن يفهم الأمر الذي يدعو القائمين على التعليم في بلادنا إلى أن يظنوا أن تطوير المناهج يكمن في الألوان والزخارف والصور وزيادة كمّ الكتب.
حقيقة، يصيبني الأسى حين أنظر إلى كمّ الكتب التي تحملها ابنتي الصغيرة كل يوم خلف ظهرها، ووزن تلك الحقيبة التي تثقل كاهل الرجل البالغ، فما بالك بطفلة، وقد تُفاجَأ عزيزي القارئ إذا ما علمت أن وزن الحقيبة يتجاوز الـ6 كيلوجرامات.
خلاصة القول، إذا ما أردنا أن ننشئ جيلا يحب التعلم والمدرسة، فلنقلل من التنظير وما تحمله الحقائب، ولنركز أكثر على التطبيق وما تحمله العقول من علم وحقائق، وتبدو الإجازة الطويلة فرصة سانحة لاتخاذ خطوات مناسبة ومفصلية في هذا الجانب.
آمل ذلك حقا من وزارة التعليم، ليبدأ أطفالنا عاما جديدا مختلفا للتعليم.