الحلم صفة عظيمة لا يقوى عليها كثير من الناس.. ورد عن نبينا عليه الصلاة والسلام قوله للأشجِّ: «إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم، والأناة»..
ويروى أن الأحنف بي قيس -وهو من كبار التابعين- سُئل عن الحلم فقال: «أن تصبر على ما تكره قليلاً».. وحينما توفي في البصرة، مشى مصعب بن الزبير في جنازته قائلا: «ذهب اليوم الحزم والرأي»!
ومما روي عنه قوله لأصحابه: «أتعجبون من حلمي وخُلقي؟ إنما هذا شيء استفدته من عمي صعصعة بن معاوية، شكوت إليه وجعًا في بطني فأسكتني مرتين.. ثم قال لي: يا ابن أخي، لا تشك الذي نزل بك إلى أحد؛ فإن الناس رجلان: إما صديق فيسوؤه، وإما عدو فيسره، ولكن اشك الذي نزل بك إلى الذي ابتلاك، ولا تشك قط إلى مخلوق مثلك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه مثل الذي نزل بك..
يا ابن أخي إن لي عشرين سنة لا أرى بعيني هذه سهلا ولا جبلا فما شكوت ذلك لزوجتي ولا غيرها»!
ومما يروى أيضا أن رجلا قال له: «لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً»..
فقال الأحنف: «لكنك إن قلت عشرا لم تسمع واحدة»..!
أود القول، إنني لا أعرف في عالم السياسة اليوم حكومات تشتهر بـ«الحلم» والصبر والأناة، كحكومات دول مجلس التعاون الخليجي.. وعلى رأسها حكومة هذا البلد الكريم.
وأتحدث على وجه التحديد عن حكومة بلادي.. فالحلم الذي تحلى به قادة هذا البلد أمام أعدائه ومناوئيه والمحرضين عليه، أمر لا يمكن وصفه.. هل بوسعك أن تتخيل معي: كيف لحكومة بلد أن تخرج بكامل أعضائها للمطار لتستقبل رئيس دولة أخرى، يُسخر كل ما يملك لمحاربتها، ودعم أعدائها، ويتعاون معهم، ويتواطأ لاغتيال رأسها، وهي تعلم بذلك، لكنها تتجاهل وتتغافل عنه، وتمد له يدها، وتستقبله بالورود البيضاء، وتفرش له البساط الأحمر؛ لعله يعود ويخجل ويرعوي.
تلك هي بلادي وحكومتها التي خرجت يوما لاستقبال أمير قطر السابق حمد بن خليفة، الذي عاد مرة تلو أخرى مستمرئا الاعتداء علينا؛ ظنا منه أن الصبر عجز، وأن الحلم جبن، وأن الصمت خوف!
ونجد اليوم يا للعجب، من يسأل وبإلحاح، عن سر هذا الغضب الكبير من السعودية تجاه حكومة قطر.. ألم تقل العرب: اتق شر الحليم إذا غضب!