يبدو أن سير الرئيس روحاني على درب سلفه أبوالحسن بني صدر، قسراً أو طواعية منه، لن يكون أمراً مستغرباً، نظراً لطبيعة نظام الحكم السائد في إيران وملامحه «الكسروية» المعدلة

في تحذير شديد اللهجة، ذكّر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الرئيس حسن روحاني (المُنتخب مؤخراً لولاية رئاسية ثانية) بمصير أبوالحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية في إيران. وأكد خامنئي أن سياسته كانت ولا تزال تتمثل في دعم جميع الحكومات المنتخبة، لكن «الخط الأحمر هو تخطي المصالح العليا للبلاد والنظام». وشدد على ضرورة تعلم المديرين الحكوميين الدرس ممن سبقوهم خلال الأربعين سنة الماضية، حتى لا يقعوا في الأخطاء نفسها، وخاصة في مجال الاعتماد على الولايات المتحدة.
وأشار إلى أن «البعض يحاول شق صف الشعب إلى قسمين: معارض للحكومة وموالٍ لها، وهو ما حدث في بداية الثورة مع أول رئيس جمهورية، ورأينا جميعاً نتيجة تصرفاته».
وجاء كلام خامنئي بعد سجالات عنيفة بينه وبين روحاني خرجت إلى العلن، وخاصة فيما يتعلق بمحاولة الحكومة تنفيذ اتفاقية تعليمية معروفة باتفاقية 2030 لليونسكو، وبدء بحث الدخول في مفاوضات مع الجيران على غرار المفاوضات النووية، خوفاً من وقوع حرب في المنطقة بين إيران والسعودية. وأيضاً، إثر انتشار أخبار بأن حكومة روحاني الجديدة تخطط لحذف جميع الأصوليين أو المنتمين إلى الحرس الثوري والباسيج، بإيعاز من الإصلاحيين على أساس أن التعامل مع العالم يحتاج إلى خلو الحكومة من المتشددين.
ومما لا شك فيه أنه من مهام وصلاحيات المرشد تعيين وإقالة: فقهاء مجلس الأوصياء، ورئيس الهيئة القضائية، ومدير الإذاعة والتلفزيون، ورئيس أركان الجيش، وقائد قوات حرس الثورة الإسلامية. وجميع قادة أسلحة الجيش المختلفة. وإقالة رئيس الدولة من منصبه تحقيقا للمصلحة العامة بعد أن يدينه القضاء في مخالفة قانونية أو بعد أن يحجب مجلس الشورى الثقة عن الرئيس في ضوء ما ورد في المادة التاسعة والثمانين من الدستور.
ومن جهة أخرى يستقيل رئيس الجمهورية بتقديم الاستقالة إلى المرشد، وفي حال عدم قبولها يستمر الرئيس في منصبه. وفي حال خلو منصب الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو مرضه أو أي سبب آخر، يتولى منصب الرئاسة نائب الرئيس بعد موافقة مرشد الجمهورية، أو من يعينه المرشد في حال عدم وجود نائب للرئيس. ويبدأ النائب في ترتيب إجراء انتخابات رئاسية في غضون خمسين يوما من استلامه لمهام الرئاسة. وفي حال تولي نائب الرئيس أو من يعينه المرشد منصب الرئاسة يمنع مجلس الشورى من مساءلة الوزراء أو التصويت على سحب الثقة عنهم، كما تتوقف الاستفتاءات العامة وإجراءات مراجعة الدستور.
والسؤال المطروح هو إذا كانت تهمة فقدان الأهلية السياسية هي التهمة التي ستوجه للرئيس روحاني لإقالته أو دفعه نحو الاستقالة، هل الأهلية السياسية ميزة محدودة الصلاحية وقابلة للعطب السريع؟ وماذا عن جدوى الانتخابات الرئاسية ونتائجها، وهل تغاضى الناخبون للمرة الثانية عن سمة الأهلية السياسية لدى تصويتهم لصالح الرئيس روحاني؟
لقد واجه عدد من رؤساء الدول في العالم قضايا إقالة بسبب مشاكل قضائية أو أجبروا على الاستقالة، ففي فنزويلا علقت في مايو 1993، مهام الرئيس كارلوس اندرس بيريز لاتهامه باختلاس أموال والإثراء غير المشروع. وفي الأكوادور اتهم الرئيس عبدالله بوكرم باختلاس أموال، وأقيل من منصبه في 6 فبراير 1997 بسبب «عجز جسدي وعقلي» بعد ستة أشهر من تنصيبه. وأقيل رئيس البيرو البرتو فوجيموري في 21 نوفمبر 2000 بتهمة «عجز عقلي دائم». ولاحقاً حكم عليه بالسجن 25 عاما لوقوفه وراء مجازر راح ضحيتها مدنيون، ثم بسبب الفساد. وأقال النواب الكوريون الجنوبيون، الرئيسة بارك غيون ــ هي بسبب فضيحة فساد كبيرة دفعت بملايين الأشخاص للنزول إلى الشوارع وعطلت عمل الحكومة. وفي ألمانيا أجبر الرئيس الفدرالي كريستيان فولف على الاستقالة في فبراير 2012 بعد رفع الحصانة عنه. وقد اتهم بالفساد لكن أفرج عنه. رفع برلمان غواتيمالا في تصويت في الأول من سبتمبر 2015 الحصانة عن الرئيس أوتو بيريز الذي اتهم بإدارة شبكة فساد في الجمارك. ولتجنب إقالته، قدم استقالته بعد يومين ووضع في الإقامة الجبرية.
ورفض الرئيس البرازيلي ميشال تامر دعوات المعارضة لاستقالته. وكان تامر المتهم بالفساد، قد تسلم السلطة قبل نحو عام بعد إقالة الرئيسة ديلما روسيف (يسار) التي كان نائبها، واتخذ سلسلة من الإجراءات التقشفية، مثل إصلاح نظام التقاعد، وتحرير سوق العمل، على أمل تحسين الوضع الاقتصادي.
وواجه رؤساء آخرون إجراءات إقالة، لكنها لم تسفر عن نتيجة، بينهم بوريس يلتسين في روسيا (1999) ولويس غونزاليس ماكي في البارجواي (2003). وفي الولايات المتحدة، صوت مجلس النواب مرتين على اتهام رئيس بهدف إقالته، الأول اندرو جونسون في 1868، والثاني بيل كلينتون في 1999. لكن مجلس الشيوخ برأ الرئيسين. وفي 1974 بدأ المجلس دورة تهدف إلى اتهام الرئيس ريتشارد نيكسون، لكنه استقال وأسقطت إجراءات إقالته.
وفي النموذج الإيراني، يبدو أن سير الرئيس روحاني على درب سلفه أبوالحسن بني صدر، قسراً أو طواعية منه، لن يكون أمراً مستغرباً، نظراً لطبيعة نظام الحكم السائد في إيران وملامحه «الكسروية» المعدلة.