لا مشكلة بدون حل، الفساد مشكلة كبرى، وفي بعض أوجهه وتطبيقاته يرقى إلى مستوى الكارثة، لكن علاجه ممكن إذا توفرت الرغبة والإرادة وصدقت النية، وكلما رأيت أو سمعت أو لمست بارقة علاج لكبح جماح هذا الغول تعززت قناعتي بأن الحل ممكن ومتاح إذا أردنا، وما سأرويه هنا هو واقعة حقيقية يرويها من يعرفها ويعيشها، فهذه شركة كبرى عريقة تنفذ العديد من المشروعات الحكومية المتنوعة منذ سنوات طويلة ومازالت تقوم بهذه المهمة حتى الآن، وصاحب هذه الشركة يتحدث عن تغيير مفاجئ لمسته شركته الكبرى خلال عام 2010 وهو يتحدث عن هذا التغيير فيما يشبه بشرى ممزوجة بالدهشة يزفها إلى غيره، إذ يقول: حدثت ثلاثة أمور خلال هذا العام تحدث لأول مرة، أولها: لم يطلب أحد من الشركة شيئا غير نظامي، وهو يقصد أن أحدا لم يطلب دهانا لبعض السيور المهترئة أو الصدئة أو المعصلجة، وباختصار (رشوة)، وثانيها: لم يقبل أحد من الشركة هدية، وواضح أن الشركة في سنواتها الماضية كانت تبادر من عنياتها إلى تقديم دهانات السيور في شكل هدية أي (رشوة مهذبة)، وثالثها: لم يتردد أحد أو يماطل في تقديم الخدمات النظامية للشركة، وبالتالي لم تجد أية عوائق في طريق تنفيذ المشروعات التي تحت يدها تضطرها للتوقف أو اللجوء إلى الدهانات المألوفة.
ولست أدري ولا صاحب الشركة يدري عن سبب هذا التطور المفاجئ الذي حدث فعلا، فهل السبب يكمن في كثافة نشاط هيئة الرقابة والتحقيق التي حررت 1800 دعوى فساد ضد موظفين في القطاعين العام والخاص خلال الستة الأشهر الأخيرة من العام الحالي ـ كما نشرت عكاظ يوم الجمعة الماضي ـ؟ ربما. هل السبب ما حدث من جراء كارثة جدة من تحقيقات ومساءلات مازالت مستمرة حتى الآن؟ ربما. هل السبب الحذر والخوف من لجنة مكافحة الفساد التي شكلتها إمارة منطقة مكة منذ بضعة أشهر؟ ربما، ولكن أيا كان السبب فهو ليس ضميرا استيقظ وحده دون أن يجد من يوقظه ويراقبه، ومع أنه من المهم أن يعلم الناس من أيقظه ومن يراقبه، إلا أن الأهم هو النتيجة التي آمل أن تعم وأن نجد كل الشركات والمؤسسات والإدارات وهي تتحدث عن اختفاء أو تضاؤل الفساد من ردهاتها، وأن تختفي من حياتنا تلك المصطلحات التي مازالت سائدة مثل: ادهن السير يسير، ومثل: ما تعرف أحد، ومثل: امسك لي واقطع لك، وغيرها من مدلولات الفساد بكل أشكاله، وهي مدلولات لن تختفي بالأماني ولكن بأمرين مهمين أولهما: النظام الدقيق الصارم مع الحزم في التطبيق والتنفيذ، وثانيهما: القدوة فإذا عفَ الكبير عفَ الصغير أو خاف.