خيبت إدارة ترمب آمال اللوبي الإيراني عبر مباشرتها العمل على استعادة علاقات قوية مع السعودية ومصر. تلك الآمال التي استندت إلى اعتقاد يفيد بأن الإدارات الجمهورية الأميركية كانت أميل دائما إلى عقد صفقات مع إيران
عمدت إيران منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى تشكيل لوبي في واشنطن من أجل الترويج لمشروع التسوية الشاملة، ومنع إصدار عقوبات إضافية ضد النظام الإيراني بسبب الخلافات حول برنامجه النووي ودعمه الإرهاب وتدخلاته الإقليمية.
ويعمل اللوبي الإيراني منذ عهد رفسنجاني وتعاظم دوره في عهد خاتمي وخف بعض الشيء في عهد أحمدي نجاد، واستعاد دوره مجددا بعد وصول روحاني إلى السلطة عام في يونيو 2013، والذي أكد خلال زيارته لنيويورك العام الماضي تعزيز دور اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، وطالب في كلمة ألقاها أمام عدد من أعضاء الجالية الإيرانية بأن يلعبوا دورهم الوطني ويشكلوا مجموعات ضغط فعالة للتأثير على الرأي العام الأميركي لصالح إيران.
ويعتقد أن صادق خرازاي، نائب وزير الخارجية الإيراني السابق (1997-2003) الذي عاش في الولايات المتحدة بين عام 1989 حتى عام 1996، يعتبر مصمم هذا اللوبي الذي يدعى المجلس الوطني الإيراني الأميركي NIAC «ناياك». بينما يترأسه تريتا بارسي، وهو باحث إيراني يحمل الجنسية السويدية ويقيم في واشنطن. وهو مؤلف الكتاب الشهير «التحالف الغادر: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأميركية»، وله كتاب آخر بعنوان:«لفة واحدة من النرد»، بالإضافة إلى العديد من المقالات والمقابلات التلفزيونية، وقد نجح في التقرب من صانعي القرار في البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية، وسيطر على بعض وسائل الإعلام الأميركية الناطقة بالفارسية مثل إذاعة «صوت أميركا».
وكان تريتا بارسي قد رفع دعوى ضد الصحفي الأميركي من أصول إيرانية حسن داعي، الذي كتب في عام 2008، مقالا وصف فيه بارسي بأنه أبرز شخصيات اللوبي المناصر لملالي طهران، وأنه لا يكترث بحقوق الإنسان المضطهدة هناك، كما أنه على تواصل مستمر مع عدد من المسؤولين الإيرانيين في الداخل والخارج. واتهم بارسي خصمه -داعي- بأنه شوه سمعته وسمعة منظمته. واستمرت المحاكمة أكثر من ثلاث سنوات بين تهم موجهة بين الطرفين وكم هائل من الوثائق والمستندات، حتى أصدر قاضي المحكمة الفيدرالية في واشنطن دي سي «جون باتس» حكمه النهائي في القضية لصالح حسن داعي.
وأدت هذه المحاكمة إلى الكشف عن رسائل إلكترونية أظهرت أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الذي كان يعمل مبعوثا دائما لبلاده في الأمم المتحدة بنيويورك التقى مع بارسي للمرة الأولى في مارس 2006، وأن ظريف مرر إلى بارسي وثيقة «المساومة الكبرى» التي اقترحها الإيرانيون على الأميركيين إبان حرب العراق في عام 2003، ورفضتها واشنطن كما أظهرت الرسائل أن بارسي قام بتنسيق لقاءات بين أعضاء في الكونجرس من الحزبين مع ظريف.
ويتكون اللوبي الإيراني من مجموعتين، الأولى: تعمل في أجهزة الإعلام الأميركية ومنظمات بحثية، ويركز نشاط هذه المجموعة أيضا على الكونجرس الأميركي، ولها درجات مختلفة من الارتباط بطهران. وترتبط المجموعة الثانية من اللوبي بأوساط صناعة النفط، واستطاعت أن تخلق مصالح مؤثرة إلى درجة أصبحت لها منافع مالية لها أولوية على المصالح الوطنية الأميركية.
ومن مؤسسات اللوبي الإيراني، مؤسسة «بيناد علوي» ويقع مقرها في الجادة الخامسة في نيويورك، والتي أسسها شاه إيران عام 1973 في نيويورك تحت اسم بيناد بهلوي، تغير اسمها إلى بيناد مستضعفان ثم إلى بيناد علوي. وقد سيطر السفير الإيراني، آنذاك، جواد ظريف على معظم قرارات مجلس إدارتها.
وقد رتب اللوبي الإيراني لجواد ظريف، ممثل إيران الدائم في الأمم المتحدة، زيارة للالتقاء مع بعض أعضاء الكونجرس في واشنطن.. ويشير رضا إلى أن هناك أكاديميين يقفون مع طهران من أمثال غاري سيك من جامعة كولومبيا الذي انتقد الرئيس بوش لتوجيهه انتقادات للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة... ولكن رضا يرى أنه ليس من مصلحة إيران القيام بأعمال ضد أميركا في داخلها.
ومن نشطاء المجلس الوطني الإيراني الأميركي البروفسور شيانج أمير أحمدي، الأستاذ في جامعة روتجر في نيوجرسي، والذي زار إيران مرارا مع وفود أميركية ويدافع عن النظام الإيراني. وينشط إلى جانب المجلس الوطني الإيراني الأميركي منظمات أخرى منها: «أميركان إيرانيان أورغ».
وأثار الباحث الإيراني المقيم في لوس أنجلوس بابك فروغي الشكوك حول موقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري من القضية الإيرانية، وكذلك القضية السورية. وذلك على خلفية زواج فانيسا برادفورد كيري، الابنة الصغرى لكيري من زوجته الأولى، من طبيب إيراني أميركي.
وقد نجح كيري في إحداث اختراق في تاريخ علاقات الإدارات الأميركية الديمقراطية مع إيران. وذلك من خلال توصله مع نظيره الإيراني ظريف في 14 يوليو 2015 إلى اتفاق نووي شامل، يحظر بموجبه على طهران تنفيذ تجارب صاروخية باليستية لمدة ثماني سنوات. وهو الاتفاق الذي انتقد الرئيس دونالد ترمب بنوده، ووصفه «بأسوأ صفقة» من بين جميع الصفقات التي أبرمتها الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة.
ويبدو أنه سيعيد علاقات الولايات المتحدة وإيران إلى نقطة الصفر، ويتمثل المؤشر الأول على ذلك في مبادرة إدارة ترمب إلى تفكيك التأثير الإيراني داخل البيت الأبيض الذي توسع تأثيره في فترة حكم الرئيس السابق باراك أوباما. فقد أصدرت إدارة ترمب، مستهل أبريل الماضي، قرارا بنقل الأميركية ذات الأصول الإيرانية سحر نوروز زادة من وظيفتها كعضو في مكتب السياسات الخارجية للبيت الأبيض إلى مكتب الشؤون الإيرانية.
وجاء قرار النقل بسبب ما أشارت إليه العديد من التقارير الإعلامية المحلية لوجود شكوك حول ولاء الموظفة نوروز زادة للرئيس ترمب وإدارته. وشكك موقع «بريت بارت»، في الدور الحقيقي الذي تؤديه الموظفة المذكورة. والتي عملت في المجلس الوطني الإيراني الأميركي وأسهمت بشكل فعّال في صياغة الاتفاق النووي الأميركي الإيراني.
وذكرت الخارجية الأميركية في بيان أن نوروز زادة عادت إلى وظيفتها في مكتب الشؤون الإيرانية في مجلس الأمن القومي، والذي كانت تشغل من قبل منصب مديرته، لكن دون تحديد المهام الجديدة الموكلة إليها. وكانت زادة قد انضمت إلى الحكومة الاتحادية الأميركية عام 2005 خلال إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، لكن ذاع صيتها إبان عهد أوباما بسبب ما أشيع عن موالاتها المطلقة لسياساته تجاه إيران ودورها في وضع السياسات الأميركية - الإيرانية بالبيت الأبيض.
وقد خيبت إدارة ترمب آمال اللوبي الإيراني عبر مباشرتها العمل على استعادة علاقات قوية مع السعودية ومصر. تلك الآمال التي استندت إلى اعتقاد يفيد بأن الإدارات الجمهورية الأميركية كانت أميل دائما إلى عقد صفقات مع إيران، وهذا ما حدث في عهدي الرئيسين الأميركيين: رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبوش الابن على خلفية قضايا: رهائن السفارة الأميركية في طهران، وحرب الخليج الثانية، وحربي أفغانستان والعراق.