يجب ألا نفرح بكثرة المؤيدين لنا فالتأييد قد يغرينا ويغري بنا؛ فاشتراك الآخرين معنا في نفس الأفكار والدوافع لن يدفع عنا تهمة ولن يحمينا من مساءلة حين تتجه لنا أصابع الاتهام

لو تخيلنا أن اهتماماتنا دوائر تكبر وتصغر، لو جدنا أن مشكلتنا مع بعض تتركز حينا في نقاط الاختلاف، وأحيانا في المشتركات، التي قد يكون الاتفاق عليها أخطر من الخلاف حول غيرها، خاصة عندما يتراجع وعينا الحقوقي.
لو فكرنا فيما يستفز وعينا ويغضبنا بعد حين لوجدنا أنه لم يستحق ما أخذ منا اهتماما واستفزازا، خاصة حين يرحل من كان خلف غضبنا سنجد أن الخلاف لم يكن له قيمة، ولم يكن هجاء جرير للفرزدق بعد موته ثم عودته لرثائه إلا لحظة تنوير رأى فيها أن عداوتهما التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لم يعد لها أي قيمة!
كتبت فيما سبق وأشرت للغضب العارم والاستفزاز الذي رافق مقطع ملاحقة رجل لامرأة وتصويره لها، ولم يكن الغضب العارم إلا لأن الغاضب استعجل وصدق اتهام الرجل لصاحبة «الفلاش ميموري»، وبعيدا عن الاتهام وما ترتب عليه بحق الرجل إلا أن في الموضوع جانبين مهمين؛ الأول أن فعل الاحتساب الفردي والذي يعتمد على أن يلاحق رجل امرأة أو حتى العكس ممنوع، فلا يملك الملاحق أو الملاحقة صفة تخوله أو تخولها، وهذا ما أوقع إشكالات سابقا كثيرة، الموضوع الثاني أن نؤمن بحدود الحرية التي تكفلها القوانين حول العالم وهي ترتكز على أن حرية كل منا تنتهي عندما تبدأ حرية غيره.
نقطة مهمة جدا يجب أن يدركها من لا يعي مفهوم الحرية الأبسط.
نحتاج لنشر ثقافة الحرية وهي صحية جدا، فحريتك لا تجعلك تتصرف بطريقة مؤذية لغيرك، فلن تضغط على منبه السيارة عندما تتذكر أنك تريد بصوت المنبه إعلان غضبك بينما هناك آخرون لا ذنب لهم في رسالة الغضب الموجهة لشخص واحد. ولن تكرر الضغط على المنبه ذاته صباحا لتأمر من تنتظره عند الباب بالنزول، وذلك لأنك تدرك أن هناك من لايزال نائما وأنت تحترم وقت راحته.
هل الحرية حماية لحق الآخرين عندك؟
الواقع أننا نحمي بها حقوقنا بالدرجة الأولى، لأن الحياة في ظل الوعي بالحرية توفر لك من يدافع عنك لو أخطأ أحد بحقك، بل تجعل من أخطأ يدرك أنه على خطأ؛ والإنسان يتحرك بين مفهومين الأنانية والغيرية، علاقات الصداقة والعمل مثال جيد على طغيان الأنانية والعمل للمجد الشخصي الذي يصل بالإنسان للفساد أحيانا، أو العكس تماما التفاني والعطاء والغيرية التي يتنازل فيها الإنسان عن حقه من أجل مصلحة العمل أو يقدم غيره على نفسه.
المثال السابق دليل على أننا نعدم إدراك الحدود التي يجب أن نتوقف عندها ونتصارع على بدهيات لطالما أفسدت علاقاتنا الفاصلة بين ما هو حق لنا على غيرنا، وما هو حق لغيرنا علينا دون ضرر ولا ضرار.
الوعي الحقوقي الغائب عند كثير من الناس يجب أن يستفزه وقوع عدد من الناس تحت مظلة القضاء والمساءلة، إما بسبب تغريدة تكفر أو تهدد أو تفسق آخرا. الإجراءات القانونية تتخذ، وكثير من الناس ما يزالون يجهلون أو يتجاهلون احترام حدود غيرهم.
جانب آخير في التعبير عن الرأي بحرية يجب احترام اختلاف الآخر عنك، عندما يكتب وترغب أنت بأن تنقض قوله فلا مناص من أن يكون ذلك في حدود الأدب الجم، الذي لا يخرجك لدائرة الشتائم التي تقود لغرامة بمئات الألوف أو تزج بصاحبها للسجن. العقل عقال، وأعود لما بدأت به وأقول يجب ألا نفرح بكثرة المؤيدين لنا فالتأييد قد يغرينا ويغري بنا؛ فاشتراك الآخرين معنا في نفس الأفكار والدوافع لن يدفع عنا تهمة ولن يحمينا من مساءلة حين تتجه لنا أصابع الاتهام، ولنتذكر أن الله قد حفظ وحرم حقوق الآخرين، فلنتلو ما حرم ربنا علينا.