لعل العمل الشنيع الذي نفذه عبيدي، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه، أفظع من التفجير المروع الذي نفذه الجيش الجمهوري الإيرلندي والذي دمر أجزاء من وسط المدينة قبل 21 عاما، وهو الحدث الذي يعتقد كثيرون أنه لعب دورا أساسيا في نهضة مانشستر. ففي تلك الحالة على الأقل، أعطى المفجرون تحذيرا قبل تسعين دقيقة من التفجير، مما ساعد في تجنب الخسائر في الأرواح. على النقيض من هذا، تسببت فعلة عبيدي الهمجية في مقتل 22 شخصا، وكان أكثرهم من الأطفال.
في السنوات الأخيرة، كنت مشاركا بكثافة في الجوانب المتعلقة بالسياسات في هذا الانتعاش الاقتصادي العظيم الذي شهدته المدينة. فقد توليت رئاسة مجموعة استشارية اقتصادية لمجلس مانشستر الكبرى، ثم شغلت منصب رئيس لجنة نمو المدن، التي دعت إلى إنشاء برنامج «المحطة الشمالية»، وهو البرنامج المعني بربط مدن شمال بريطانيا بوحدة اقتصادية متماسكة. وفي وقت لاحق، انضممت لفترة وجيزة إلى حكومة ديفيد كاميرون، للمساعدة في تنفيذ المراحل الأولى من برنامج «المحطة الشمالية».
لم يسبق لي أن حضرت حفلا موسيقيا في ساحة مانشستر، ولكن يبدو أنه موقع عظيم من مواقع المدينة. وكما برز مطار مانشستر كمركز مواصلات يخدم المحطة الشمالية، تلعب الساحة دورا مماثلا عندما يتعلق الأمر بالترفيه. وكما تشير التقارير المحزنة عن المتضررين، جاء الحضور من أجزاء عديدة من شمال إنجلترا (وأماكن أخرى).
في السنوات القليلة الماضية، نالت مانشستر قدرا كبيرا من الثناء بسبب انتعاشها الاقتصادي، بما في ذلك موقعها عند القلب الجغرافي للمحطة الشمالية، وأنا على يقين من استمرار هذه الحال. إذ تشير مستويات تشغيل العمالة والمؤشر الإقليمي لأعمال مديري المشتريات إلى أن الزخم الاقتصادي، على مدار القسم الأعظم من العامين الماضيين، كان أقوى في شمال غرب إنجلترا مقارنة بأداء البلاد ككل، بما في ذلك لندن.
ولكن ما يزعجني شخصيا هو أن كثيرين ما زالوا يتساءلون عن ماهية المحطة الشمالية. في جوهرها، تمثل المحطة الشمالية الجغرافيا الاقتصادية التي تقع بين ليفربول في الغرب، وشيفيلد إلى الشرق، وليدز إلى الشمال الشرقي، ومانشستر في الوسط. وتبلغ المسافة من مانشستر إلى وسط أي من هذه المدن الأخرى أقل من 40 ميلا (64 كيلومترا)، وهي مسافة أقصر من خط مترو الأنفاق في لندن من سنترال إلى بيكاديلي، أو ديستريكت لاينز. وإذا كان في الإمكان ربط 7 ملايين إلى 8 ملايين شخص يعيشون في هذه المدن ــ وفي البلدات والقرى الشمالية ومناطق أخرى بينها ــ عن طريق البنية الأساسية، فمن الممكن أن يعملوا كوحدة واحدة في ما يتصل بأدوارهم كمستهلكين ومنتجين.
الواقع أنه مشهد مثير، ورغم أن عمر المحطة الشمالية لا يتجاوز ثلاث سنوات، فقد بدأت تُظهِر علامات التقدم. ونظرا للفوائد الاقتصادية الأعرض المترتبة على التكتل، فربما أمكن تمديد شعار المحطة الشمالية إلى شمال إنجلترا بالكامل، لكي يشمل بشكل خاص هال ونورث إيست. ولكن ما أطلق عليه غالبا مسمى «قطب مان-شيف-ليدز» الذي يميز المحطة الشمالية، ومانشستر التي تقع في قلبها، يأتي بكل تأكيد بين المستفيدين الأوائل.
أياً كان الدافع المنحرف الذي حرك عبيدي البالغ من العمر 22 عاما والذي فجر نفسه مع الضحايا الأبرياء كما يبدو، فإن الفِعلة النكراء البغيضة التي ارتكبها لن تُفقِد مستقبل مانشستر المشرق العامر بالأمل بريقه. وأنا لا أدعي أنني أفهم عالَم الإرهاب، ولكني أعلم أن أولئك الذين يعيشون في مانشستر وحولها وفي مدن أخرى يحتاجون إلى الشعور بأنهم جزء من مجتمعهم الذي يتقاسمون تطلعاته وطموحاته. ومن المؤكد أن أولئك الذين ينتمون إلى مجتمعاتهم حقا أقل ميلا إلى إلحاق الأذى به وأكثر ميلا إلى المساهمة بقوة في نشاطه المتجدد.
الآن أكثر من أي وقت مضى، تحتاج مانشستر إلى الرؤية التي تقدمها المحطة الشمالية. وهي الرؤية التي يجدر بمدن ومناطق أخرى أن تحاكيها.

 

جيم أونيل

أستاذ فخري للاقتصاد في جامعة مانشستر نقلا عن موقع بروجكيت سندكيت