الجميع يتمنى الوصول إلى علاقات حسن جوار بين إيران ومحيطها العربي، لكن هذه الأمنيات تحتاج إلى بناء الثقة بين الجانبين وعمل على الأرض يُسهم في رأب الصدع الكبير بين ضفتي الخليج العربي

أفرزت نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران رغبة المرشد الأعلى لنظام ولاية الفقيه علي خامنئي في استمرار اللجوء إلى الوجه «الدبلوماسي» المتمثل في حسن روحاني، لإكمال ما بدأه من محاولات لفك العزلة السياسية والدبلوماسية عن البلاد، ورفع العقوبات المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي. والأهم فهم أن الدول الغربية تعتقد أن روحاني يستطيع خلق حالة من الحلحلة في صفوف التيار الأصولي المتشدد.
يدرك خامنئي هذه القراءة الغربية جيدا، ولربما يرى أنها جاءت لتصب في مصلحة النظام، لا سيما في المرحلة الحالية، لذلك نجده مستمرا في إطلاق بعض التصريحات المناهضة لما يسمى «التيار المعتدل»، بهدف خلق حالة من التوازن على المستوى الداخلي مع ضمان استمرار سياسة روحاني التصالحية مع الغرب. لكن خامنئي بطبيعة الحال لن يتنازل مُطلقا عن إدارة ملف السياسة الخارجية لصالح الحكومة، بل يُبقِي على توجيهها وفق رغبته الشخصية والمستشارين السياسيين من التيار الأصولي فيما يسمى «مكتب القائد/بيت رهبر».
على الصعيد الخليجي نعلم أن روحاني كان قد تعهد في حملته الانتخابية للفترة الأولى عام 2013، بالعمل على تحسين العلاقات مع دول الجوار العربي، بخاصة المملكة العربية السعودية، ولكنه مع انقضاء السنوات الأربع الأولى من حكمه واجه فشلا ذريعا في التقدم خطوة واحدة تجاه التصالح مع العرب، بل تدهورت العلاقات الخليجية-الإيرانية بشكل غير مسبوق. ولعل السبب في ذلك إصرار روحاني على اللجوء إلى ذات الأدوات التي استخدمها مع الغرب في التعامل مع دول الجوار العربي. الإشكالية هنا أن روحاني تجاهل حقيقة أن معاناة هذه الدول مع إيران ليست كمثلها مع الدول الغربية، فالنظام الإيراني يتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ويؤجج الصراعات الطائفية، ويعمل على تصدير الأيديولوجيا الإقصائية المتشنجة لنظام ولاية الفقيه، ويعمل بكامل مؤسساته المدنية والعسكرية وما بينهما على تهيئة كل السبل لظهور ما يسمى «الإمام الغائب» (المهدي المنتظر) في المنطقة العربية، وبالتالي تشكيل تهديد حقيقي لاستقلال الدول وسيادتها عبر العباءة الأيديولوجية الضيقة.
مؤخرا كرر روحاني الأسطوانة التي سمعها الجميع في صيف 2013، فيما يتعلق بعلاقات بلاده مع المحيط العربي، وبالطبع يتبادر إلى ذهن المتلقي النتائج السلبية لفترة روحاني الرئاسية الأولى، ومن هنا يتبدد الأمل في الوصول إلى أي نتائج إيجابية أو نجاحات حقيقية على الأرض إلا إذا قام النظام الإيراني بتغيير استراتيجياته التوسعية وعمل على إثبات حسن النية، وانعكس ذلك على سلوكه تجاه دول المنطقة. مثل هذا التغير يمثل الوصفة السحرية للنظام الإيراني، ويحتاج في المجمل إلى أمرين رئيسيين: أولهما، قناعة خامنئي شخصيا بضرورة تحسين العلاقات مع العرب، ويحتاج ذلك في المقام الأول إلى التخلي عن المشروع التوسعي وتحول البلاد من ثورة إلى دولة مدنية، وثانيهما تغيير جذري للأدوات المستخدمة في المساعي الإيرانية لبناء الثقة مع الجوار العربي، وعدم الركون إلى ذات الأدوات المستخدمة مع الغرب، لأن المشكلة بين إيران ومحيطها الجغرافي تختلف تماما عن مشكلتها مع القوى الغربية. أيضا لعل النظام الإيراني يتعلم من درس السنوات الماضية والمراهنة على فكرة أن أي تحسن في العلاقات الإيرانية مع الغرب سينعكس بشكل تلقائي على العلاقات مع دول المنطقة، فمثل هذه المراهنة أثبتت فشلها الذريع وعقدت علاقات إيران مع جيرانها أكثر من السابق.
الجميع يتمنى الوصول إلى علاقات حسن جوار بين إيران ومحيطها العربي، لكن هذه الأمنيات تحتاج إلى بناء الثقة بين الجانبين وعمل على الأرض يُسهِم في رأب الصدع الكبير بين ضفتي الخليج العربي، وإعادة إيران النظر في طموحاتها الإمبريالية الشوفينية، وعدم الاستمرار في المشروع الثوري الطائفي المبني على تجاهل سيادة الدول واستقلالها. متى ما حصل هذا التغير في التوجهات الإيرانية فسيرى الجميع تطورا كبيرا في العلاقات العربية الإيرانية، بغض النظر عما إذا كان الرئيس الإيراني مشفوعا بصفة «الإصلاحي» أو «المعتدل» أو «المحافظ»، لأن السياسة الخارجية لنظام ولاية الفقيه لا تكترث مطلقا بهذه التسميات ولا تؤثر فيها.