قالتْ لي وقد رأتْ دخان تنّور جارتنا يتصاعد خذْ هذا العجين واذهب به لعمتك... لتخبزه مع خبيزها ولا تتأخر، ذهبتُ فوجدتَها في ظلِّ عُشّتها تمخض اللبن بيد وتحرّك ابنها داخل قطعة قماش مربوطة في السرير باليد الأخرى كي ينام، بينما كمية الحطب التي داخل التنور قد استنفذت، عرفتُ ذلك لأنني كنتُ أراقب السماء والدخان يتصاعد إليها، وجارتنا تسألني عن أحوالنا وأخبارنا، حَمِي التنور وطلبتْ مني أن أناولها العجين، ناولتُها فأخذتْه وذهبتْ تخبزه مع عجينها، أتذكر أن عجيننا كان أبيض اللون وعجين جارتنا كان أحمر اللون، خبزتْ وعادت بالصحن فارغا وأنا ممددٌ على السرير أرجّح بصغيرها كي ينام - هي طلبتْ مني ذلك - في طريق عودتها مرّت على جرّة ماء، ضغطتْ على رأسها وصبّتْ ماء في صحننا الفارغ وغسلته، وصلتْ إلى الممخضة فوجدت اللبن وقد استوى، صبّتْ لي لبنا بنكهة لا تزال في ذاكرتي، وقالت لي اشرب وانتظر حتى أجلب لك الخبز من التنور، كنتُ أشرب في ظلٍّ جميل في صبحٍ أجمل ونسيت خبر أمي بعدم التأخر، شربتُ اللبن، كان الخبز قد خرج يثور، أعطتني وقالتْ لي سلّم على أمك واعتذر منها - لا أعرف على ماذا - أغراني منظره، قطعتُ قطعة فالتهمتها بحرارتها لأضعها على كمية اللبن في معدتي، وصلتُ البيت، قلتُ لأمي: جارتنا تسلم عليك، فقالت سلمتَ وسلمتْ، وتعتذر منك، أخذتْ مني الخبز وهي تنظر إلى آثاره على فمي وإلى آثار اللبن على شفتيّ الغليظتين، اجتمعتْ أسرتي الصغيرة على الفطور، نادوا عليّ فاعتذرتُ بأنني لا أرغبه الآن، كانوا يضحكون عليّ فآثار بياض اللبن وبياض الخبز لا تزال على فمي.
محمد الرياني