تعدد المرشحين للرئاسة الإيرانية، لا يُعتبر دليلاً كافياً على نزاهة الانتخابات أو مؤشراً جلياً على استقلالية وكفاءة الرئيس
منذ العام 1979 تعاقب على منصب رئيس الجمهورية في إيران كل من: أبو الحسن بني صدر، ومحمد علي رجائي، وعلي خامنئي، وهاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، ومحمود أحمدي نجاد وحسن روحاني الرئيس الإيراني الحالي المنتهية ولايته الرئاسية الأولى ويطمح إلى الفوز بولاية ثانية، في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في التاسع عشر من مايو الجاري، وذلك في حال تمكنه من هزيمة منافسيه الخمسة، وهم: المتشدد إبراهيم رئيسي، وعمدة طهران المحافظ محمد باقر قاليباف، وزير الثقافة السابق، المحافظ مصطفى ميرسالم، ونائب الرئيس إسحق جهانجيري، ونائب الرئيس السابق مصطفى هاشميتابا.
وبحسب الدستور الإيراني تُعرف رئاسة الجمهورية بأنها أعلى سلطة في البلاد بعد القيادة، وهي المسؤولة عن تطبيق الدستور، وتمثل أعلى سلطة في الهيئة التنفيذية، إلا في ما هو من اختصاص منصب القيادة. وينتخب الرئيس من قبل الشعب لأربع سنوات، ويحق له تولي الرئاسة بشكل متتال مرتين فقط. ومن المؤهلات المطلوب توافرها في شخص الرئيس: الأصل الإيراني، والقدرة الإدارية، وأن يكون سجله نظيفاً، ومتديناً وموثوقاً به، والإيمان بالمبادئ الأساسية لجمهورية إيران الإسلامية ومذهبها الرسمي الإسلام الشيعي.
ويشرف على الانتخابات الرئاسية مجلس الأوصياء. وتجرى الانتخابات قبل شهر من موعد انتهاء مدة الرئيس الحالي، ويتحمل الرئيس الذي أوشكت ولايته على الانتهاء التزامات الرئاسة حتى انتهاء الانتخابات واستلام الرئيس الجديد الرئاسة. ويفوز بالانتخابات المرشح الحاصل على الأغلبية المطلقة التي يحددها قانون الانتخابات، وفي حال فشل أي مرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة، تنطلق جولة ثانية من الانتخابات في أول جمعة من الأسبوع التالي، ويتنافس فيها مرشحان فقط هما الحاصلان على أعلى معدل أصوات في الجولة الأولى.
ويتمتع الرئيس بصلاحيات منها: اختيار وزراء حكومته وتقديمهم إلى مجلس الشورى لإجراء تصويت الثقة على تعيينهم. غير أن الرئيس ليس في حاجة إلى الحصول على ثقة مجلس الشورى ليشكل الحكومة، كما له حق إقالة الوزراء من دون الرجوع إلى المجلس؛ والمصادقة على القوانين وتطبيقاتها بعد المصادقة عليها من مجلس الشورى؛ المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات بعد مصادقة مجلس الشورى؛ اعتماد أوراق السفراء الأجانب، وإدارة ميزانية الدولة، ورئاسة اجتماعات مجلس الأمن القومي واجتماعات مجلس الوزراء.
ويجب على رئيس الجمهورية أن يجيب عن أسئلة مجلس الشورى إذا طلب المساءلة ربع عدد أعضاء المجلس، وللتصويت على سحب الثقة من الرئيس يجب أن يوقع على طلب السحب ثلث أعضاء مجلس الشورى لتعقد جلسة خاصة بالتصويت على سحب الثقة، في حين لا تسحب الثقة من الرئيس إلا بموافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس الشورى، ويستقيل الرئيس بتقديم الاستقالة إلى المرشد.
وتتزامن الانتخابات الرئاسية الإيرانية مع ضغوط دولية وتحديات إقليمية واستحقاقات داخلية اقتصادية واجتماعية، بعضها تقليدي وبعضها الآخر خارج عن المألوف. ولكنها تطرح استحقاقاً صعباً يتعلق بتركيبة ووظيفة النظام السياسي المعمول به حالياً في إيران، وجدوى تصنيفه نظاماً جمهورياً في وقت تبلورت فيه حقيقة تفيد أنه وخلال العقود الماضية فشل الذين تعاقبوا على منصب الرئيس في تشكيل مؤسسة قوية للرئاسة -المكونة من الرئيس ومجلس الوزراء والجيش- وذلك نتيجة تنافس المؤسسات المكونة للنظام السياسي الإيراني على إظهار الولاء والطاعة للمرشد أي الولي الفقيه.
وعلى سبيل المثال، استهلّ الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عهده الرئاسي سنة 2005 بإجراء تعديلات هيكلية على بنية الإدارة الحكومية، وأبعد عدداً كبيراً من المديرين والكفاءات المحسوبة على خصومه في التيّار الإصلاحي، وحاول في ولايته الثانية أن يتعامل بالأسلوب ذاته مع الأجهزة والشخصيات الأمنيّة المقرّبة من المرشد خامنئي. إلا أنه حصد توترات في علاقته مع المرشد والبرلمان والحرس الثوري، ما أدخل العمل الحكومي في أزماتٍ متكرّرة. وقد بلغ هذا التأزّم مداه عندما استدعي للمساءلة في البرلمان مارس 2012 وفي كثرة الإقالات التي بلغت 13 وزيرًا في الحكومة، و14 مستشارًا في الرئاسة.
ودفع استمرار معاناة مؤسسة الرئاسة في إيران من الهشاشة وتهميش دورها النائب السابق عن التيار المبدئي في طهران، أحمد توكلي إلى القول: «لا يمكن إسقاط الجمهورية الإسلامية من خلال انقلاب عسكري أو ثورة مخملية، بل ستكون نهاية النظام الإيراني من خلال انتشار الفساد الاقتصادي والإداري في جميع أركانه ومؤسساته الرسمية».
وقد انهمر مؤخراً، سيل من التسريبات والاتهامات في قضايا فساد طالت المحسوبين على الرئيس الإيراني حسن روحاني وعلى مسؤولين في أجهزة الدولة التي تخضع لإشراف المرشد الأعلى. وتورط عدد من المرشحين للرئاسة في قضايا فساد، وجرى إقصاؤهم من السباق الرئاسي. وكان في مقدمهم الرئيس السابق نجاد الذي تبين أنه فاز بالانتخابات الرئاسية عام 2009 عن طريق التزوير، وأن العدد الحقيقي للأصوات التي حصل عليها هو 16 مليون صوت، وليس 24 مليونا.
ووصلت فضائح الفساد ذروتها من خلال التراشق بين الرئيس حسن روحاني ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، حيث طالب كل منهما الآخر بكشف حسابات جهازه. وتم تسريب وثائق تظهر «الرواتب الفلكية» لمسؤولين في إدارة حسن روحاني. وردّا على هذا التسريب عرفت قضية «العقارات الفلكية» التي برز فيها اسم عمدة طهران اللواء محمد باقر قاليباف، أحد قادة الحرس الثوري.
ويبدو أن تعدد المرشحين لرئاسة الجمهورية، واللجوء إلى جولة ثانية لتحديد الرئيس الجديد أو لمنح الرئيس المنتهية ولايته ولاية رئاسية ثانية، لا يُعتبر دليلاً كافياً على نزاهة الانتخابات أو مؤشراً جلياً على استقلالية وكفاءة الرئيس، إذ إن أغلب الرؤساء حصلوا على ولايتين رئاسيتين، ولم يطوروا دور مؤسسة الرئاسة المتواضع في صنع القرار بل كان هاجسهم طاعة صاحب القرار والناخب الوحيد مهما تعددت صناديق الاقتراع.