اليوم أحست المرأة بوجودها وكيانها المستقل، وهي تطالب بشخصيتها الاجتماعية المستقلة، وهي مستعدة لأن تضحي بالنفقة والسائق في سبيل كسب استقلالها

أثارت تصريحات السفير السعودي في النرويج حول أوضاع المرأة السعودية جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، حيث ذكر سعادة السفير «أن النساء في السعودية لديهن سائقون، ويمكنهن التنقل إلى أي موقع.. فالمرأة السعودية لا تتحمل مسؤولية تكاليف المعيشة مع أزواجهن وإن كانت تعمل ودخلها أعلى من دخل زوجها، إلا أنه يظل هو الذي يتولى المسؤولية المالية بالكامل».
بالإضافة إلى ما سبق، انتقد سعادة السفير المطالبين بتغيير وضع المرأة واصفاً إياهم بتأثرهم بالثقافة الغربية، كما انتقد وضع المرأة في النرويج قائلاً «إن مديرية الضرائب تشير إلى وجود المئات منهن يعشن في عناوين سرية خوفًا من تعرضهن للأذى أو القتل من قِبل أحد الذكور من أفراد العائلة»، بالإضافة إلى أن «رواتب النساء في النرويج أقل من الرجال، كما أن ساعات عملهن أكثر من ساعات عمل الرجال». للأسف الشديد فإن تصريحات سعادة السفير حول أوضاع المرأة لم تكن موفقة، وهي لا تختلف من حيث المضمون عن كتابات بعض دعاة الدين والتي تتسم بالشراسة والانفعالية والسعي إلى طمس إيجابيات الحضارة الغربية والتعتيم على إنجازاتها، وليس هذا فحسب بل وصل الأمر إلى اتهام كل من ينادي ويدعو إلى حقوق المرأة وفق المواثيق الدولية الصادرة عن الغرب، على أنها دعوة شيطانية، الهدف منها احتقار المرأة وإشباع الغريزة منها واستخدامها كأداة للهو والتسلية والربح التجـــاري، ويقولون إن «المرأة في الغرب قد دفعت أفدح الثمن من جهدها وكرامتها وحاجاتها السيكولوجية والمادية، بينما المرأة في الإسلام تعيش الكرامة والاستقرار النفسي والعاطفة والسعادة».
أطرح على سعادة السفير الأسئلة التالية: هل المرأة في مجتمعنا أفضل حالاً من المرأة الغربية؟ وهل سألنا أنفسنا يوماً لماذا بعض النساء يتركن ثقافتهن تماماً عندما يسافرن إلى بلاد الغرب ويقلدن النموذج الغربي؟ وهل عرفنا أسباب كثرة الطلاق في المجتمع والآثار السلبية المصاحبة له؟ وهل التمسنا مشاكل المرأة الأخرى والمتعلقة بالزواج والإرث والتعدد والعنف والتعسف ضدها؟..
أستغرب من البعض عندما يتحدث عن أهمية المرأة، وفي نفس الوقت يصمت أمام الظلم والتعسف الواقع عليها بسبب الطلاق أو العنف أو التعدد؟ ويكتفي بالقول إن الإسلام حفظ كرامة المرأة وهي كالجوهرة المصونة، بينما المرأة في الغرب تئن يائسة ذليلة فاقدة الكرامة!.
يعلم سعادة السفير أن كل ثقافة وكل حضارة فيها إيجابيات وسلبيات وفيها الجيد والرديء، ولكن إذا أردنا إصلاح حال المجتمع وتطويره، فهل ينبغي التغطية على سلبيات ثقافة المجتمع، ومن ثم تكريس التخلف في وعي المرأة بحقوقها وشخصيتها؟.
عندما يتحدث سعادة السفير عن النفقة والقول إن المرأة لا تتحمل تكاليف المعيشة حتى وإن كانت تعمل! وهو بذلك يعطي صورة مثالية مخالفة للواقع، وكأن المرأة تنعم بالأموال دون كد أو جهد متجاهلاً أن مفهوم «النفقة» عند رجال الدين يعطي الحق للرجل في منع الزوجة من الخروج من البيت ولزوم الطاعة المطلقة له في مقابل أمواله التي يدفعها للمرأة لتصنع له ولأطفاله طعاماً، وتقوم بواجب الخدمة للرجل.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك حالات وقضايا عديدة في المحاكم بسبب عدم قيام الرجال بالنفقة على زوجاتهم وأطفالهم، بالإضافة إلى أن هناك العديد من النساء هن من يقمن بالفعل بالإنفاق والصرف على بيوتهن وعلى أطفالهن، ناهيك عن قيام بعض الرجال بالتصرف في راتب وأموال الزوجة دون رضاها، والحقيقة أن المرأة هي بالفعل التي تسهم في دعم المورد المالي للأسرة أكثر من الرجل، فلا معنى لأن يقال إن المرأة السعودية لا تتحمل تكاليف المعيشة!.
يقول سعادة السفير أيضاً «إن النساء في السعودية لديهن سائقون»، وهنا أتساءل: هل وجود السائق ميزة إيجابية أم من السلبيات الخطيرة التي يعاني منها المجتمع؟ هل يعلم سعادة السفير بشعور الأم أو الأب عندما يقوم السائق بتوصيل الأطفال إلى مدارسهم بمفردهم؟ وليس هذا وحسب، فهل جميع الأسر السعودية لديها القدرة المالية على استقدام سائقين في الأساس؟ وهل جرّب سعادة السفير معاناة الركوب مع سيارات الأجرة والتكلفة المالية والوقوع تحت رحمة السائقين؟.
أما بخصوص ما ذكره سعادة السفير من أن «الغالبية العظمى من السعوديات لا يرين أي حاجة أو ضرورة لإجراء تغييرات كبيرة»، فربما أن هذه الإحصائية إن كانت موجودة قد تكون صحيحة في الماضي، حيث لم ينفتح فكر المرأة على مفاهيم الحضارة الحديثة، ولم تكن تعلم أن حقها هو أكثر من هذا الموجود فعلاً، واليوم أحست المرأة بوجودها وكيانها المستقل، وهي تطالب بشخصيتها الاجتماعية المستقلة، وهي مستعدة لأن تضحي بالنفقة والسائق وجميع المميزات التي ذكرها السفير في سبيل كسب هذا الاستقلال.
ليعلم سعادة السفير أن الغرب يعي تماماً كيف كان وضع المرأة الغربية عندما كانت تحت سلطة الكنيسة ورجال الدين، ومثل تلك التصريحات ليست بجديدة على المجتمعات الغربية، فهي نفس المبررات التي كان يسردها المعارضون آنذاك لاستقلال المرأة ونيل حقوقها.