السنتان الماضيتان كانتا المقياس الأكثر دقة ووضوحا حول حجم الجهد الذي يبذله جيشنا الباسل ورجال الأمن، والذي ظهر جليا في جبهة الحرب.. هؤلاء الرجال يضعون أرواحهم في رهان دائم مع الموت حتى يبقى الوطن على قيد الحياة.. لا يلتفتون خلفهم، وهم يعلمون أن كل شيء ماثل أمامهم يتجسد في هذه الحروف الثلاثة (و ط ن)، يفترشون بيداءه، ويلتحفون سماءه.. يسهرون لينظموا له عقدا مضيئا من قلوبهم المشعة بحبه، شريطة أن يبقى نوره وهاجا لا ينطفئ.. يمضون قدما متزودين بالحب والفداء والإقدام.. يضعون أجسادهم حدا فاصلا بينه وبين العدو.. تضحيات وعطاءات وهبات من الوقت والجهد والراحة يقدمونها بكل حب.. يغادر أحدهم إلى منطقة الخطر ولا يعلم هل يعود أم لا.
 كل هذا نقف أمامه مجلين فخورين بتلك القدرة التي زرعها الله في قلوبهم، وقوة التحمل التي رزقوها وورثوها عن حب الوطن، ووجوب الذود عنه.. في مكان آخر وعلى مقربة منا نراهم بذات العليا والرفعة والشموخ يستقبلون ضيوف مهرجان (حكايا مسك) في تظاهرة عظيمة تركت أثرا وصدى قويا في نفوسنا نحن أبناء منطقة عسير.. (القوات المسلحة) ومن خلال معرضها الذي دام خمسة أيام في أبها قبل أكثر من أسبوع، حشدوا من خلاله ما أوتوا من خلق ورقي ووعي بأهمية هذه البادرة الرائعة التي تجعلهم في أقرب نقطة من أبناء وطنهم، يقضون ما يقارب ثلاث عشرة ساعة في استقبال الزوار والبسمة تعلو وجوههم ضباطا وأفرادا.. كل منهم يجيب عن الأسئلة والاستفسارات من السائل الأخير، وكأنه الأول دون ملل أو تذمر، يباشرون الأطفال بالحب والحلوى، والكبار بالاحترام والورد، يجوبون قرية «المفتاحة» في استعراض موسيقي يبعث على الفخر والبهجة والانتشاء.. قدموا جهدا جبارا منقطع النظير في هذا العمل الضخم. وعلى الرغم من مشقته إلا أنه منظم دقيق جدا لم يلاحظ عليه أي خطأ.. غادرنا المعرض ونحن في منتهى الدهشة والمتعة.. مثل هؤلاء هم من يستحق أن نقف لهم ومعهم جميعا نؤازرهم بالكلمة المنصفة، ونعينهم كمواطنين على إكمال مسيرة العطاء للوطن بالتعاون والوعي بحقوقهم علينا بصفتهم الفئة الأكثر إقداما وتحملا وصبرا من أجل الوطن والمواطن.
 أتمنى أن يكون لهم يوم خالد يمر كل عام يكرمون فيه ويحتفى بهم ويشكرون مباشرة وهم أحياء، تماما كما هو يوم المعلم ويوم الطبيب.. يوم تعبر إليهم من خلاله امتناناتنا لهم وتقديرنا لما يبذلونه من أجل أمننا وأمن وطننا.