في المجمل يُعدّ حديث ولي ولي العهد السعودي عن إيران تطورا حقيقيا في الحزم السعودي في مواجهة أطماعها ومشروعها التوسعي في المنطقة
في المقابلة التلفزيونية التي أجريت مع ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي تم بثها مساء الثلاثاء الماضي عبر عدة قنوات، تطرق سمو الأمير في حديثه إلى العلاقة بين إيران وجيرانها العرب ودول المنطقة، بصفتها أحد أهم القضايا التي تهم المملكة العربية السعودية، وجميع دول مجلس التعاون الخليجي.
وخلال ما شاهدناه، لاحظنا عمق إدراكه الحالة الإيرانية، وتفاصيل التوجهات الإيرانية والعقلية الحاكمة في طهران، ولتحليل حديث الأمير عن إيران يمكننا تقسيم ذلك إلى 4 محاور رئيسية:
الأول: يدور حول إمكان التباحث أو الحوار مع النظام الإيراني في ظل سلوك إيران الحالي، الخاضع لأيديولوجيا ولاية الفقيه والمشروع التوسُّعي، وقد ذكر سموه صراحة أن ذلك مستحيل في ظل استمرار هذا التوجّه الذي يجعل النظام الإيراني حالة استثنائية في العالم، فدول العالم تتحاور حول خلافاتها السياسية والاقتصادية بشكل مباشر، لا بالاختفاء خلف الأيديولوجيات، بل إن النظام الإيراني بنى شرعيته على ذلك.
الثاني: هو طبيعة الأيديولوجيا المسيطرة على الفكر السياسي في إيران، ومن ذلك الإيمان بتمهيد الطريق لخروج المهدي المنتظر، خلال السيطرة على العالم الإسلامي ونشر الفوضى والدمار حتى يخرج الإمام ليملأ الأرض عدلا. مثل هذه الأيديولوجيا تجعل التعامل مع النظام الحالي في طهران صعبا على الجميع، ولا يمكن توقّع مآلاته. وفي الوقت ذاته أهمل النظام الإيراني الوضع الداخلي ومطالب الشعوب في إيران ليعاني الفقر والبطالة وتدنّي الخدمات، وضعف البنية التحتية على الأصعدة كافة.
الثالث: هو كشف الإستراتيجية الإيرانية في سياستها الخارجية، بين الأصولية المتشددة والتيار المعتدل البراجماتي، وأشار في هذا الصدد إلى مرحلة رفسنجاني الذي أكمل طريقه خاتمي، ثم ما لبث الوجه التصعيدي الإيراني أن عاد إلى سابق عهده، خلال فترة أحمدي نجاد، ثم روحاني، ويبرز هذا السلوك السياسة الخارجية لإيران، التي تتأرجح بين الانفتاح على الخارج تارة والانغلاق تارة، وفق إستراتيجية التصعيد والتهدئة، حسب الظروف المحيطة.
الرابع والأخير: هو كيفية التصدي للمشروع التوسعي الإيراني، وتحدث عن ذلك عبر الإشارة إلى آليّتين: الأولى، تقليم أظافر إيران في المنطقة، والثانية: إعادة الكرة إلى المرمى الإيراني، فإذا كانت إيران تعمل حاليا على نقل المعركة إلى الداخل السعودي، فإن التصدّي لذلك يكون بإعادة الكرة إلى الساحة الإيرانية.
وإذا ما أردنا تحليل المحور الرابع، فإن لما يعنيه الأمير محمد بن سلمان، بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني احتمالين: أولهما، يكون نتيجة حتمية لمحاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة،
فخلال إجبار طهران على الانكفاء إلى الداخل يكون الشعب الإيراني في حالة انتظار لمرحلة محاسبة داخلية طال انتظارها مع النظام الحاكم الذي ظل يتهرب من الاستحقاقات المحلية طوال العقود الأربعة الماضية.
أما ثانيهما: فهو التعامل بالمثل مع السلوك الإيراني في المنطقة، فكما تتدخل إيران في شؤوننا الداخلية، فإن الدول الخليجية بقيادة السعودية ستنقل المعركة إلى الداخل الإيراني، وتعامل طهران وفق اللغة التي تفهمها، إن لم تغيّر سلوكها.
في المجمل، يُعدّ حديث ولي ولي العهد السعودي عن إيران تطورا حقيقيا في الحزم السعودي في مواجهة أطماع إيران ومشروعها التوسعي في المنطقة، وفي الوقت ذاته يقدم خارطة طريق واضحة وجلية للنظام الإيراني، إذا ما أراد ترميم علاقته مع دول الجوار العربي، والسعودية تحديدا، كما يمكن استنتاج رسالة غير مباشرة إلى الشعوب في إيران، تتمثل في أن «المنطقة تعاني بسبب سلوك نظام ولي الفقيه، كما تعانون داخل إيران من التهميش وعدم الالتفات إلى مطالبكم»، وحديثه عن معاناة الشعوب هناك يؤكد أن توتر العلاقات والصور السلبية التي يروج لها النظام مرحلي.