مع كل قضية تحرش جديدة يعود الحديث مرة أخرى عن قانون التحرش، ويظهر الانقسام الواضح بين الفريقين المؤيد والرافض، ففريق يطالب بسن قوانين تجرم التحرش، وتعاقب مرتكبيه، وفريق آخر يرفض مثل هذه القوانين بحجة أنها تسمح للمرأة بالتبرج ، ويؤكدون أن من يتعرضن للتحرش هن المتبرجات اللائي يتعمدن إثارة غرائز الشباب ، وأن المرأة المحتشمة لن تتعرض للتحرش نهائيا.
في الحجة الآنفة الذكر التي يسوقها المعارضون لقانون التحرش، والتي تقول إن المرأة هي التي بإمكانها أن تكون ضحية تحرش أم لا، وذلك من خلال نوع عباءتها وطريقة مشيتها ونوع غطاء الرأس الذي ترتديه، وبغض النظر عن كون هذا المعيار يفترض في أن المتحرشين يمتلكون تعريفا موّحدا للعفّة ويطبقونه بنفس الدقة على جميع النساء قبل اتخاذ قرار التحرش، وبغض النظر عن كون هذا المعيار يفترض شكلا موحدا للحجاب، ويفرضه على جميع النساء باختلاف المذاهب والمناطق، بل وحتى الدول التي ينتمون إليها، بغض النظر عن كل عيوب هذا الرأي وتعميماته واحتكاره للفضيلة والحشمة في شكل معيّن من الحجاب واعتبار ما هو سواه تبرجا وسفورا وانحلالا، بغض النظر عن كل ذلك وبقبول هذا الرأي بكل تناقضاته يمكننا ملاحظة سمة رئيسية في هذا الرأي وكل الآراء التي يتبناها الكثير ويدافعون عنها، ألا وهي الدفاع عن امتيازات والمحافظة على نفوذ، هذا بالضبط ما يفعله الكثير منذ نحو 40 عاما حماية للمجتمع من الجميع .فقانون لتجريم التحرش يعني سقوط (قانون الحشمة) الذي تبني ورسخ في عقول الناس منذ عقود، قانون الحشمة الذي يجب على المرأة أن تلتزم به عند خروجها من منزلها، وإلّا فإنها ستكون عرضة للعقوبة المعتادة (التحرش)، ولا يحق لها حينها أن تتظلم أو تعترض على العقوبة، قانون الحشمة الذي يحمي الشاب المسكين من الوحش أبوكحلة، قانون الحشمة الذي يحمي السارق من المال، ويحمي شارب الخمر من العنب.