نحن اليوم نلعب على أرض الشباب وبين جماهير فتية، وسنخسر إن أقصيناهم عن الفعل الإعلامي والثقافي، ولم نع مطالبهم
يمكن تبديل أماكن السطوة والكلمة فيصبح العنوان «كلمة الإعلام وسطوة الثقافة»، وسنجد أن المعنى لن يبتعد كثيرا، فالإعلام والثقافة في كل الأحوال مرتبطان، لأن الإعلام ينطق عن ثقافة يمثلها، ولا يفترض إلا أنه يمثلها، ولأن الثقافة تؤثر وتتأثر بدرجة وعي الإعلام.
وزارة الثقافة والإعلام، قدمت نقلة في مجالات تعزيز حضور الشباب والفن إلى المشهد الثقافي، متلمسة لحاجات مجتمع فتي يعد الذين تجاوزوا الثلاثين من العمر أقلية!
مجتمع شبابي واعد، لكنه لا يكاد يسمع إلا صوت نفسه بعد أن عزل نفسه عن المؤثرات القادمة من غيره، وما يعشق وما يحتاج من حاجات أو ترفيه قد يكون منقولا إليه من الشرق أو الغرب لأن الآخرين يجيدون كتابة وتوجيه رسائلهم بحكم خبرتهم العميقة.
دعوني أقارن لكم بين فعاليتين مهمتين مجانيتين، الأولى كانت على مدى ليلتين، وهي ليالي الشعر النبطي، والثانية الأوركسترا اليابانية، كلتا الفعاليتين عقدتا في مكان واحد، هو مركز الملك الثقافي، وكان يفترض أن تحظيا باهتمام متقارب أو يتفوق الشعر المكتوب باللغة المحكية؛ لكن الغريب أن الشعر في لياليه عانى غيابا لا حضورا عكس الليلة اليابانية التي عجز المركز عن استقبال جميع الراغبين حتى إن أحد الحضور ذكر أن عدد من غصت بهم القاعة نصف من بقوا خارج المركز.. مما يطرح سؤال لماذا؟ ويقودنا ربما إلى جواب أن ما كان يناسب جيل الآباء لم يعد يهم إلا الأقل من الأبناء.
البحث الشبابي عن فعاليات الفن والمطالبة المستمرة بعقد دورات أو ورش فنية يفسر أن هذا ما يلامس هذا الجيل، ومهما اختلفنا معه فهو قد اختار قنواته الخاصة، ووضع سماعات تحجب وصول صوت غير الذي اختاره في جهازه الذكي!
نعم هناك شباب يشبهون جيل الآباء، لكنهم استثناء، وليسوا هم القاعدة، فالقاعدة أو الأصل الصيرورة والتحول لا الجمود والثبات. والسؤال: أين موقع هذا الجيل من فنونه وثقافته ومتعه الخاصة؟
لو كان الحديث عن الثقافة قلنا إن الشباب غرب وشرق، فلم يعد الخوف عليه من التغريب واردا لأنه يحاكي ما يطرح في العالم، ويتعاطى معه بشكل بعيد، بل ويعيد إنتاجه!
والهوية والقيمة والمبدأ التي تعززها الأمم الواعية من خلال قنواتها خاصة تطرح ثمارها للشباب وللمجتمع، ولهذا نحتاج إلى رسالة إعلامية قوية وموجهة للشباب خاصة، وهذه تصوغها الثقافة ويعززها الإعلام.
الإعلام والثقافة والترفيه ثلاثية ضخمة، وحمل تولاه الوزير عواد العواد، ونستبشر خيرا بخبر زيارته في أيام وزارته الأولى لفرع من أنشط فروع جمعية الثقافة والفنون، أعني فرع الأحساء ولقائه بالشباب، ونأمل أن يعاد النظر في دعم الفعاليات الفنية والثقافية، وهو الخبير الاقتصادي، وإخراجها من قوقعة نقص الموارد التي تعيق أنشطة الجمعية المميزة، وأيضا دعم المبادرات الشبابية الخاصة، والبعد عن التقليدية وسلطة بعض الأكاديميين في جهات ثقافية أخرى في وقت لا يخفى أن الثقافة والإعلام انطلقا في العالم - ونحن جزء منه- لمشاهير مواقع التواصل الذين صنعتهم بعد أن كان المشاهير في الفن والإعلام منصات للتعاطي مع جماهيرهم، فصنعت للجماهير جماهير، فلا تعجب إن رأيت حفلا لوزارة رصينة يتناوب تقديم فقراته مشاهير التواصل، ولا تفاجأ بنظرة ترمقك، وتسألك أين أنت من هذا الإنسان المهم؟
لحظة توقفك أمام هذه النظرة ستنقلك إلى فكرة أن لا الأرض أرضي ولا الزمان زمانيا، فنحن اليوم نلعب على أرض الشباب وبين جماهير فتية، وسنخسر إن أقصيناهم عن الفعل الإعلامي والثقافي، ولم نع مطالبهم.
أعود إلى التجربة اليابانية في الرياض، والتي ترتبط بالانبهار الحضاري بما وصل إليه بلد كاليابان ورفاهيته لأقول لنوظف هذا الإقبال أيضا في دعم ترجمة كتب يابانية مهمة إلى العربية تتبناها الوزارة، ولنقدم الحضارة بأبهى وجهها لا بالوجه الوحيد للقمر.