هل الهدف من إنشاء المراكز البحثية لدراسات المرأة هو الوصول للمرأة في السعودية في الداخل أم إيصال المرأة السعودية للعالم؟ بعبارة أخرى، من هم جمهور هذه المراكز؟

للجامعات الغربية ملتقى في الفصل الدراسي يقوم فيه طلبة الدراسات العليا بعرض ملخصات مشاريعهم البحثية، وفي أحد هذه الملتقيات بدأ طالب دكتوراه من جنوب آسيا حديثه عن إرهاب الجماعات المتطرفة بالإشارة إلى دور السعودية في نشأة التطرف، وأشار إلى عدة مواقع أهلية وحكومية تشير إلى هذا الأمر بشكل أو بآخر استقى منها المعلومات الخاصة ببحثه، ولم يتطرق هذا الباحث مثلا لدور السعودية في محاربة الإرهاب ولا لتعرضها لهجمات إرهابية كثيرة على مدى عقود، ولا للمعلومات الاستخباراتية التي تقدمها الحكومة السعودية للدول الصديقة، وتساهم من خلالها في حفظ أمنها القومي بشهادة استخبارات وقادة هذه الدول. كل هذا لم يكن من ضمن ملخص بحثه، فهو وغيره مشغولون بإثبات علاقة السعودية بالإرهاب، وتوثيق ذلك بالبحوث الأكاديمية.
 في حادثة أخرى، بادرتني إحداهن بالسلام وسألتني باقة الأسئلة المعتادة لكسر الجليد بين الغرباء، بادلتها التحية والأسئلة وعرفت أنها بريطانية من أصل عربي تدرس الماجستير في الموارد البشرية، وأن بحثها يدور حول (تمكين المرأة في الشركات السعودية الخاصة غير العائلية). هذه الأخت كما ذكرت لي لم يسبق لها زيارة السعودية ولا حتى لتأدية العمرة، وكل ما تعرفه عن السعودية والسعوديات تستقيه من المصادر المفتوحة ومنصات التواصل الاجتماعي واليوتيوب أو التواصل الشخصي مع سعوديات، أو من أخريات سبق لهن السكن في السعودية. سألتها عن حالها مع الدراسات السابقة لبحثها فقالت؛ إن هناك بعض المراجع، لكن الحاجة ماسة للمزيد، فالمتوفر لا يمنح صورة كاملة، ولذلك فهي تحتاج إلى مصادر متخصصة ومقابلات مطولة لبحثها النوعي. أضافت قبل أن أودّعها، أن جامعتها البريطانية وعدتها بمنحة كاملة للدكتوراه في حال طورت موضوع بحثها مع الاستمرار في نفس مجتمع البحث، أي على المجتمع النسائي السعودي، وأن مشرفها يتعهد بمساعدتها. تذكرت وقتها مقولة الأمير نايف -طيب الله ثراه- باستهداف هذا الوطن، ويبدو أن الأبحاث العلمية هي ميدان التنافس الحالي والمستقبلي، وهي منطقة الصراع الجديدة.
هذا الاهتمام البحثي يجعل الإنسان يتساءل عن سر هذا الفضول، وعن مدى استيعاب مراكزنا البحثية لدورها المهم في إثراء الأكاديميا بالدراسات والمراجع لردم هذه الهوة البحثية عن السعودية. موقف الباحثة والمشرف والجامعة يدعو للتساؤل عن جهودنا البحثية، وخصوصا تلك الموجهة لدراسات المرأة.
يغلب على مواقع المراكز البحثية التي طالعتها لكتابة هذا المقال الطابع الإنشائي، والجمل الإنشائية لا تغني الباحث عن الأرقام والمعلومات والحقائق العلمية.
الملاحظ أيضا أن أغلب الخطاب في هذه مواقع المراكز البحثية لدراسات المرأة موجهة للمرأة السعودية، وهذا ما يدعو للتساؤل هل الهدف من إنشاء المراكز البحثية لدراسات المرأة هو الوصول للمرأة في السعودية في الداخل أم إيصال المرأة السعودية للعالم؟ بعبارة أخرى، من هم جمهور هذه المراكز؟ وما هي عينة البحث؟ والأمر ذاته ينطبق على أبحاثنا الاجتماعية والإنسانية الأخرى، إذ يفترض ألا يقتصر دور مراكزنا البحثية على مخاطبة الداخل السعودي، بل الهدف هو أن تعمل هذه المراكز على إجراء دراسات مختلفة يكون فيها المواطن هو عينة البحث، وذلك للإجابة عن أي سؤال يطرحه الباحثون بمنهجية علمية صحيحة وواقعية يعتمد عليها. هذه الأبحاث ستكون هي المرجع لأي باحث حول العالم يدفعه الفضول للاستعلام عن واقع الدولة السعودية بشكل عام أو أي شريحة محددة.
أمّا فيما يخص المرأة، فأظن أن الاهتمام الخارجي بمعرفة المزيد عن واقع المرأة السعودية تحديدا، هو امتداد للزخم الداخلي، فالصراعات الداخلية التي تطفو على السطح مع كل دعوة أو توجه من القيادة -حفظها الله- لتمكين المرأة في السعودية والتراشق بالعبارات والتصريحات، تثير تساؤلات كثيرة لدى من يتواجد خارج هذه الدائرة.
تتوزع هذه التساؤلات على خارطة الفضول بين (لماذا وكيف ومتى وأين)! من وجهة نظري يجب أن تحرص المراكز البحثية لدراسات المرأة على إشباع هذا الفضول، فالعمل فيها يفترض أن يوثِّق الماضي والحاضر ويستشرف للمستقبل بدراسات بحثية مُحكَمة ومتنوعة وصادقة تقطع الطريق على أن يُمْلأ هذا الفراغ بدراسات ممن لم ينصهروا في بوتقة الأحداث الاجتماعية التي نعيشها ولم يعرفها، وتمنح في الوقت ذاته من هم في دائرة التأثير وصنع القرار أبحاثا تساهم في بناء مستقبل الإنسان والوطن.
لدي قناعة راسخة بأن التعليم يبني الإنسان، والإنسان يبني الوطن، العالم يصدّق لغة الأرقام والحقائق، ولذلك فالمسؤولية مضاعفة على مراكزنا البحثية وجامعاتنا ومراكز الدراسات.