أنا ضد حرق المراحل، ولهذا علينا أن ننتظر حتى تكون الطائرات بمتناول جميع المواطنين، وقتها ستقود المرأة الطائرة، ولن يسألنا أحد عن حكم قيادة المرأة للسيارة

الأسبوع الماضي كان مبهجا -بالنسبة لي على الأقل-، فقد كنت أخشى أن نفقد حسّنا الساخر الذي أصبح يميزنا كسعوديين في العقد الأخير على الأقل، والأجمل أن الاطمئنان أتى من مسؤولين وليس من الشارع، وهذا مؤشر جيد، فالحياة عندما تكون جادّة دائما يساورها الملل والكآبة.
شريط الأسبوع الساخر أتت رياحه على لسان عضو مجلس الشورى (حريٌّ بالمجلس أن ينتصر للعضو، لأن المجلس أكثر جهة نالتها سياط السخرية)، فقد روى الزميل سلمان آل مقرح -غفر الله له- عن عضو مجلس الشورى الدكتورة أسماء الزهراني أنها قالت: (طرح قيادة المرأة للسيارة ترف في الوقت الحالي) مضيفة: (التوظيف يأتي في مقدمة احتياجاتها، بينما قيادتها للسيارة في ذيل الأولويات)، وللأمانة توقفت عند قولها (ترف)، وتفاءلت كثيرا بهذا الوصف لأنه يعني أننا نتقدم -صحيح ببطء لكن نتقدم-، فالمطالبة بقيادة المرأة للسيارة كانت قبل سنوات فجور، والآن أصبحت ترفا، وغدا ستصبح ضرورة، فهذا التمرحل جميل ودليل وعي ومعرفة، وأنا شخصيا ضد حرق المراحل! لكن المُلفت هو ترتيب الأولويات لدى الدكتورة الكريمة، فهي ترى التوظيف أولوية بعكس القيادة، فلماذا لا تكون كلها أولويات؟! فربة المنزل المتفرغة لمنزلها نقول لها انتظري حتى نـحل مشكلة بنات جنسك العاطلات أولا، رغم أن الأولية بالنسبة لها هي القيادة لا الوظيفة! كنت أقول ربما للدكتورة الكريمة مبرراتها، لكنها أحبطتني بعد أن خرجت بقناة فضائية لتوضح وجهة نظرها، وتحديدا عند سؤالها عن رأيها الشخصي في قيادة المرأة للسيارة، فقالت إن هذا يقرره رجال الدين والنظام، ورأيي سيكون من رأيهم (طيب والأولويات التي تحدثت عنها بصفتك عضوا بجهة تشريعية؟)، فتخيّل عزيزي القارئ أن تأتي بمستشار وعندما تطلب رأيه يقول لك: قرر أنت وأنا سأتفق مع رأيك!
الحديث عن قيادة المرأة للسيارة فتح شهيّة دكتور أكاديمي، أستاذ الفقه المقارن بجامعتين سعوديتين، والذي توصل من خلال بحث علمي قام به إلى عشرين دليلا ما بين آية وحديث وقاعدة ومقاصد شرعية -حسب قوله- لتحريم قيادة المرأة للسيارة، والحقيقة أنه لا يقصد المرأة المسلمة، بل كل هذه الأدلة لتحريم قيادة المرأة (السعودية فقط)، إذ إنه بعد أن أوضح له أحدهم أن كثيرا من المسلمات في بريطانيا (يقدن سياراتهن وهن منقبات)، عاد الشيخ الأكاديمي ليقول: (الفارق بين المجتمعين يجعل الحكم مختلفا وقيادة المرأة لذاتها ليست محرمة)، فالعشرون دليلا (بينهم آيات من كتاب الله) خاصة لتحريم القيادة على المرأة السعودية فقط، وبهذا القياس ستكون القيادة حراما في السعودية حلالا في بريطانيا، نعم فالقيادة -كما قال حفظه الله- ليست محرمة بذاتها، وأظن هذا القياس ينطبق على قيادة الطائرة، فيجوز للمرأة قيادة مركبة في الفضاء، ولا يجوز لها قيادة مركبة على الأرض، ولهذا قلت لكم قبل قليل تعليقا على تصريح عضو مجلس الشورى، بأنني ضد حرق المراحل، ولهذا علينا أن ننتظر حتى تكون الطائرات بمتناول جميع المواطنين، وقتها ستقود المرأة الطائرة، ولن يسألنا أحد عن حكم قيادة المرأة للسيارة، لأن السيارات وقتها لن تكون موجودة، الأهم أننا متفقون بأننا لسنا ضد القيادة بذاتها ولا السيارة بذاتها، و.. كدت أن أقول ولسنا ضد المرأة بذاتها!