عبدالله الغامدي
من أقوى الفرضيات المحاربة أخلاقيا فرضية الاستنساخ للكائن الحي، وذلك لأن التطابق التام بين مخلوقين بحيث لا يمكن رؤيتهما على شكل كيانين مستقلين يعد أمرا مريعا ومقززا في ذات الوقت!
وبسحب نفس النظرية على حقل التعليم العالي يبدو لي شخصيا وجود كثير من مؤشرات الاستنساخ للأصول الأكاديمية المعتبرة كالتخصصات الأكاديمية - التعاطي الإداري مع العمل الأكاديمي الداخلي - الاهتمامات البحثية - الابتعاث - إلغاء العامل الجغرافي. وبلغة أكثر عملية فقد لفت انتباهي عبر وسائل التواصل الاجتماعي تصريح نسب لوزير التعليم يدعو فيه الجامعات لحث الخطى في مسيرة التغيير والإبداع لتكون موازية لطموحات التحول الوطني ورؤية المملكة، وما يمكن أن ينتج عن هذا من تحديات تستوجب حلول غير تقليدية، وأن السبيل لهذا - حسب التصريح - هو إعطاء الجامعات استقلالية إدارية ومالية لتحقيق أهداف التطوير والنماء. ولكي لا تتحول هذه المساحة لساحة توافق أو اختلاف، فإنني أود أن أكرر ما أقول به دوما من أن السبب الحقيقي لضعف دور الجامعات المحلية عن مشهد التغيير الإيجابي المأمول ومواجهات التحديات هو (الاستنساخ الإكاديمي)!
اليوم نتحدث عن ثورة تعليمية في المملكة جامعات جديدة حكومية وخاصة تنشأ هنا وهناك وتكلف الدولة مليارات الريالات وبموازنات تشغيلية ضخمة وتسهيلات ملحوظة للجميع، ولكن ربما يتفق معي البعض أن الدور الإكاديمي وانعكاسه في محيطه وخارجه لا يكاد يذكر ما خلا بضع مهرجانات واحتفالات ومناسبات دورية تقوم بها جل القطاعات الحكومية غير التعليمية. لا يمكن لي شخصيا وأنا أتتبع ظاهرة جديدة مثل (وكيل الجامعة للإبداع) إلا أن أبادره بسؤال فطري: ما هو الإبداع الذي حققته جامعتك؟ الإبداع الجامعي لا يمكن أن نتناوله ونتعاطى معه بطريقة الشؤون الإدارية للمنشآت الحكومية التي تقوم على تسيير وتنظيم العمل المؤسسي.. الإبداع الجامعي يعني إحداث متغير إيجابي يشار إليه بالبنان يخدم المنطقة التي توجد بها الجامعة من جهة ويمتد لينال كامل الوطن من ثماره.. الإبداع الجامعي حين نريد مساحة صراحة أكبر ليس منصب وكيل جامعة بل رسالة جامعة بكل مكوناتها وجزء لا يتجزأ من دورها، ولذا فوجوده على غرار وكالة أو إدارة أو قسم بالنسبة لي أمر يتعارض رأسيا وأفقيا مع كينونة المؤسسات التعليمية العليا ويقزم دور جامعة معتبرة داخل الوطن.
كنت أتحدث مع عميد كلية في إحدى الجامعات السعودية، فقلت له حرفيا أنا وجدت سيارة وكيل الجامعة للإبداع واقفة بشكل خاطئ في الموقف، وهذا أعطاني مؤشرا على أن الأشياء الصغيرة ما هي إلا انعكاس لمدلولات أكبر! وكتبت لمديرين جديدين من مديري الجامعات السعودية قبل أشهر طويلة عن قيمة التغيير الإيجابي وأهمية التفرد عن الجامعات الأخرى من خلال إحداث تطوير (حقيقي) يتمرد على النمطية الشائعة في كثير من الجامعات، وسردت بالنقاط أوجه التغيير المطلوب وآلية عمله.. أحد المديرين قال لي وهو واقف قابل وكيل الكلية وكأنني حضرت لمراجعة شأن شخصي ورد على كلامي فيما لا يزيد عن ربع دقيقة، والآخر أحال أوراقي لوكيل إحدى الكليات والذي سافرت إلى مدينته لأتتبع نتائج ما كتبته ففاجأني بالقول إنه لا يعلم لماذا أعطيت الأوراق له من يد معاليه!
أختم بسرد بعض ملامح التغيير الإيجابي الذي ينقل الجامعات من ميدان الاستنساخ لبعضها البعض إلى فضاء الإبداع والتألق، فأقول بضرورة التخصصية لكل جامعة، فجامعة الطائف يجب أن تتميز مع جامعة الباحة بقضايا السياحة، وجامعة الملك فهد للبترول تتمحور حصريا حول أبحاث النفط والطاقة، وجامعة القصيم وجازان للزراعة وما شابهها، مع وجود جامعة عامة واحدة أو أكثر في كل منطقة تشمل مزيجا من التخصصات تخدم أبناء المنطقة في كافة التخصصات، دون أن تنال من القيمة للجامعة المتخصصة.
الجامعات أيضا مطالبة بقيادات تتقن أكثر من لغة وتكون ذات خلفية علمية واسعة في مستجدات العصر وأواخر صيحات التقنية، وأن تتمتع باستقلالية مالية وإدارية تعينها على تحقيق أهداف منشآتها وتصب في إطار الدولة العام وتوجهات البلد.
البحوث العلمية والابتعاث والاستقطاب والتعيين وتدوير المناصب وبقاء الكفء ومراجعة الإنجازات وإذكاء التنافس القوي والمشتعل بين الجامعات، يجب أن تكون في ذروته.. أساتذة الجامعة الذين أمضوا سنين طويلة بإمكان الجامعات اختيار أكثرهم إبداعا مع عدم التجديد لمن لا يستحق فعليا، وتكوين ما يسمى برابطة (الاكاديميون الخبراء) دون مراعاة لأي محدد غير النفع للجامعة وتطوير دفة العمل.