حسام الطائي

منذ أن وُلدت ظاهرة الجماعات الإرهابية التي اتخذت من الدين غطاء لإضافة الشرعية على جرائمها، كانت في مراحلها الأولى تتخفى في المناطق النائية والبعيدة، لتتخذ منها أماكن للتجمع والانطلاق، لتنفيذ عملياتها ضد الدولة أو ضد الدول الأخرى، بمعزل عن المجتمع.
بعدها، انتقلت إلى المرحلة الثانية، وهي تحول الجماعات إلى تنظيمات إرهابية كبيرة ظاهرة على الأرض تحكم مناطق واسعة، كتنظيم القاعدة وبوكو حرام وداعش، وتستخدم موارد هذه المناطق لدعم عملياتها الإرهابية وخداع الشباب وتجنيدهم.
هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية -رغم ادعاءاتها بالخبرة في القتال وأن النصر حليفها- هُزمت في أول مواجهة مباشرة مع القوة العسكرية، وبعد تدمير أعشاشها وهربها منها والاتجاه نحو الموصل وسورية، هناك أيضا ضاق الخناق عليها، سيتجه الإرهابيون إلى تغيير طرقهم وأساليبهم.
هنا، ستظهر المرحلة الثالثة من الإرهاب، وهي التحول إلى جماعات صغيرة غير مرتبطة ببعضها، تشبه المرحلة الأولى في بداية ظهور التنظيمات الإرهابية، ولكن الفرق هذه المرة ستتجه الجماعات الإرهابية إلى العيش في المدن، وليس كما في السابق الانعزال في المناطق النائية، بل الذوبان في المجتمع وعدم التميز بالشكل والملابس، كي يكون المجتمع وسيلة للتخفي، من خلاله يقومون بعمليات إرهابية من الداخل بمجاميع صغيرة وأعداد قليلة سريعة الهرب، ورغم أن هذا الأسلوب عملوا به سابقا بشكل بسيط، إلا أنه في المرحلة الثالثة سيكون أساس عمل هذه الجماعات الإرهابية.
أما أهدافهم، لن تكون كالسابق في المرحلتين الأولى والثانية، بل سيكون الهدف زعزعة الأمن والاستقرار، وبث الرعب في المجتمع، وإرهاق السلطات بالدخول معها في صراع مُستمر طويل الزمن مُنخفض الحدة، كما حدث في تفجيرات مصر، فقد تبنى تنظيم داعش العملية، وكانت من الداخل، والسبب في هذا التحول أن التنظيمات الإرهابية أدركت أنها لا تستطيع مواجهة القوى العسكرية.
أما طريقة مواجهة المرحلة الثالثة من الإرهاب، ستكون بأسلحة مُختلفة، خفية أيضا لا يمكن للإرهابيين توقعها.
فالسلاح الأول: هو بالإعلام والإرشاد، إذ تتم محاربة الفكر الإرهابي عن طريق وسائل الإعلام والندوات والمحاضرات التي تشير وتنذر بخطورة هذه الأفكار وخروجها عن تعاليم الدين الإسلامي، فهذه الحرب الفكرية تضع حدا لمحاولات الإرهابيين لنشر أفكارهم بين الشباب.
والسلاح الثاني: مشاركة المواطن في حفظ الأمن، عن طريق الإبلاغ عن أي تحرك أو تجمع غريب، لأن تعاون المواطن يبقى أقوى أساليب التصدي للجماعات الإرهابية.
إن من يحمل فكر الإرهاب ويعمل به، يحاول دائما أن يجد أساليب جديدة للهرب من العدالة وارتكاب الجرائم، بالتالي كلما تغيرت الأساليب تتغير أسلحة المواجهة، فإذا تخفّى الإرهاب في المجتمع والمناطق السكنية، تتخفى أسلحة التصدي له، لتكون في المرصاد دائما.