لا يختلف متابعو الأحداث في الشرق الأوسط عموما وسورية خصوصا على أن ما نشهده اليوم من تغيرات في السياسات الأميركية تجاه عدد من الملفات والقضايا أصبح أكثر حدة تجاه النظام السوري وإيران وميليشياتها الإرهابية، التي تشارك منذ سنوات بالحرب لقتل الشعب السوري وتهجيره واحتلال مدنه، هذه الميليشيات التي استخدمتها إيران كمرتزقة يحققون أهدافها في التمدد على الأراضي العربية تحت شعارات طائفية خبيثة تحرض على الآخرين وتزيد من العصبية والتشدد.
لم تكن الضربة الأميركية الأولى على مطار عسكري تابع للنظام السوري بـ 59 من صواريخ توماهوك، ووصف بشار الأسد من قبل الرئيس ترمب «بالحيوان» إلا رسالة لروسيا وإيران بأن عهد ترمب لا يشبه بأي شكل من الأشكال عهد أوباما المتراخي والضعيف في التعاطي مع الملفات الدولية، وأهمها قضيتا إيران وسورية، فالإدارة الأميركية الجديدة بقيادة ترمب تريد أن تعيد هيبة أميركا، ولتحقيق ذلك فلا بد من تصعيد عسكري صريح في سورية وإيران، وحتى كوريا الشمالية لتكون رسائل أميركا لروسيا واضحة على وقع أصوات القذائف والصواريخ هنا وهناك، فتعلن للجميع عن عودتها إلى قيادة العالم وحصر القوة السياسية والعسكرية بيدها.
في اتصالات أجريناها مؤخراً مع شخصيات مقربة من الإدارة الأميركية أكدوا أن التصعيد الأميركي الذي شهدناه في الأيام الماضية سيستمر بشكل عامودي ولن يكون محدداً، بل سيكون ضد النظام السوري وإيران وحزب الله. يدرك الرئيس ترمب أن السكوت عن جرائم الأسد بحق المدنيين سيعطي أنظمة أخرى الحق في الاستخدام المفرط للقوة ضد شعوبهم، ولن يكون بإمكان أي جهة ضبط مثل هذه التصرفات إن لم تقم إدارته بلجمها اليوم في سورية ومحاسبة المسؤولين عنها.
إن بقاء بشار الأسد في السلطة أصبح من الماضي، والخطط الموضوعة من قبل الإدارة الأميركية وتحديداً وزارة الدفاع تتحدث عن إنهاء حكمه وتنحيته عن السلطة بشكل نهائي، وهذا أحد أهم الخيارات التي وضعت على مكتب الرئيس ترمب الذي أصبح أكثر يقيناً بأن بقاء الأسد لاشك سيتسبب بطول أمد الأزمة، بل وقتل المزيد من المدنيين، وتسليم سورية بشكل أكبر لإيران وميليشياتها التي لم تترك مدينة إلا وهجرت الآلاف من سكانها.
أما الدور الروسي في سورية فأصبح مفضوحاً في دفاعه المستميت عن مصالحه ووجوده هناك، فتراه مشاركاً بالقتل وتقديم غطاء دائم للنظام السوري على جرائمه المستمرة وقتله للشعب السوري الأعزل الذي عانى منذ 6 سنوات من القتل والتهجير والاعتقال والتعذيب والإعدام، فلم يكن هذا الطرف فاعلاً في إنهاء معاناة الشعب السوري، ولم يستطع إنهاء الحرب وحل القضية والوصول إلى نتائج إيجابية تقضي بخروج الميليشيات الإيرانية وتنحية الأسد وتسليم السلطة للشعب السوري، لذا فإنه في المستقبل القريب لن يكون للروس أي دور يذكر، بل إن أكثر ما قد يحصلوا عليه في سورية قاعدة بحرية على الساحل، فلم يبق للروس أي حليف في المنطقة يحمي وجودهم بعد كل هذا الانحياز للنظام السوري وحلفائه والسكوت عن جرائمه بشكل صارخ لسنوات، واستخدام الفيتو دائماً في مجلس الأمن لحمايته من العقوبات أو القرارات الدولية.
أما فيما يخص الدور التركي فكما يمكن أن يرى المراقب للأحداث أن أنقرة اليوم منشغلة بقضاياها الداخلية والتحضيرات للتصويت على التعديلات الدستورية، وهي لم تعد ترى في سورية أولوية، بل قضية ثانوية يعنيها منها الحدود وعدم استغلال الأكراد للأزمة والحرب هناك من أجل توسيع قاعدة نفوذهم وإعلان دولة مستقلة على حدودها، وهذا ما تعتبره خطاً أحمر، ولن تسمح للأكراد بتجاوزه وهي في هذه الحالة مستعدة للتدخل العسكري لمنع قيام أي كيان كردي على حدودها، فلم يعد اليوم من المقبول تعليق آمال الشعب السوري في تحرره على دور تركي أو روسي.
إن ما تحتاجه وتقتضيه الظروف اليوم هو التعويل على دور أميركي أكثر حزماً ووضوحاً بعد كل البيانات والتصاريح الأميركية والضربة العسكرية الأولى من نوعها والتي ستتكرر خلال الأسابيع القادمة، وتكون أكثر تأثيراً على النظام، وستطال حلفاءه من الميليشيات كحزب الله الإرهابي الذي طالبته الإدارة الأميركية قبل أيام بمغادرة سورية، وهذا تحذير أولي للحزب ستليه عقوبات وضربات عسكرية تستهدفه في سورية ولبنان في القريب العاجل، خصوصاً بعد تأكيدات عن تخزين حزب الله الإرهابي مواد كيماوية في مناطق حدودية داخل الجانب اللبناني ما يهدد أمن واستقرار لبنان ودول الجوار، وهو ما يعتبر خرقاً للميثاق الدولي بمنع انتشار الأسلحة الكيماوية وتهرب النظام السوري من تسليم ترسانته منها إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ما سيتسبب بتحرك دولي أكثر حزماً ضده وضد الحزب الذي يرى مقربون من إدارة ترمب أنه تخطى الحدود في طموحاته وتسليحه وتهديداته، وحتى حجم مشاركته في الأزمة السورية واليمن والبحرين، ما جعل وزارة الدفاع الأميركية تحضر لاستهداف الحزب داخل سورية ولبنان والتحضير للتخلص من ترسانة الأسد الكيماوية التي يتم تخزينها في لبنان، ولا يستبعد خبراء أن يكون تورط الحزب بتخزين كيماوي الأسد هو المسمار الأخير بنعشه، ويكون أحد أهم الأسباب لتشكيل تحالف دولي بعيداً عن مجلس الأمن الدولي، مهمته إسقاط الأسد ومحاسبة الحزب وقياداته وملاحقتهم، كما تتم ملاحقة إرهابيي القاعدة وداعش.
في الختام يبقى طلب توحيد فصائل المعارضة المسلحة في كيان قوي موحد ينسق أعمالها وعملياتها بشكل مباشر مع المملكة العربية السعودية، التي تتميز بعلاقات هي الأفضل من نوعها في المنطقة مع الجانب الأميركي لتأمين الخطط الاستراتيجية لتمكين الجيش الحر والمعارضة من تحقيق تقدم عسكري على الأرض، وسياسي في المفاوضات وبشكل خاص في جنيف، فلا يمكن الاستمرار بالوضع الحالي إلى ما لا نهاية، وخصوصاً مع الدعم المعنوي أولاً والعسكري لاحقاً الذي يحصل عليه الشعب السوري ومقاومته بوجه الأسد وحلفائه.