نتمنى كأساتذة جامعيين أن نحظى بالطلبة المؤهلين بالمهارات التي تمكنهم من الأداء الجامعي، ولكن الواقع أن الكثيرين لا يمتلكون هذه المهارات
ليس بالضرورة أن العمل الشاق يؤدي إلى التميز، واليوم نجد أن الكثير من الأساتذة يقابلون طلابا، خاصة حديثي التخرج من الثانوية، الذين حين يلتحقون بالتعليم العالي يتوقعون أن تصحيح أعمالهم وأوراقهم وامتحاناتهم يتم بناء على نسبة مجهودهم، وليس بناء على نسبة الإنجاز الذي تحقق من التمكن في المادة، وعليه عندما لا يحصلون على الدرجات التي يعتقدون أنهم يستحقونها يشعرون بالإحباط، ويبدؤون بملاحقة الأستاذ بطلبات المراجعة وإعادة التدقيق ورسائل لا تنتهي من الاعتراض، حتى إن بعضهم يلجأ إلى الإدارة وتقديم شكوى! إذًا فالمطلوب من الأستاذ أن يركب أربع عدسات فوق عدساته ليراجع ويبحث بين الطلاسم عما يمكن أن يسهم في إضافة درجات على ما يستحقه فعلا هؤلاء الطلبة كإنجاز! الواضح هنا أن مشاعرهم حول نوعية عملهم في كثير من الأحيان لا تتطابق مع واقع أدائهم، وبدلا من اتخاذ درجاتهم كدليل على مستوى التزامهم بالتعليمات وتنفيذها أو تقديم الحلول الصحيحة في الاختبارات، يتوصلون إلى استنتاجات مغايرة؛ بأن التعليمات كانت غير واضحة أو المهام والأسئلة كانت صعبة، أو أن الأستاذ لم يفهم العمل المقدم أو الإجابة!
نعم نحن بحاجة إلى أن تكون لدينا هيئة تدريس مؤهلة لتحقيق أهداف التعليم العالي، لكن بالمقابل يجب التأكد من أن التعليم العام يمدنا بطلبة قادرين على تحمل مسؤولية ومتطلبات هذا المستوى من التعلم، فالكثير من الأساتذة اليوم محبطون جدا من كمية التحديات التي يواجهونها نظرا لانخفاض مستوى المنتج، ليس الكل بالطبع، لكن أولئك الذين لا يبذلون أي مجهود في قراءة التعليمات أو يقرؤون الكتب المقررة، بل يشتكون إن زاد العدد عن كتاب واحد، ويعتمدون على التلخيصات الجاهزة، لا يجهزون للمحاضرة من القراءات المطلوبة، ولا يشاركون في المحاضرات، بل يتلهون بأجهزتهم المحمولة من متابعة إلى إرسال المحادثات عليها، ولا يراجعون أساتذة المادة للتأكد من أن سيرهم في المهام ضمن إطار المعايير المطلوبة، وتصحيح ما يلزم قبل التسليم، بل يتوقعون أن يلاحقهم الأستاذ كما كان يحدث في المدارس، ومنهم من يطالب بالتمديد، وحتى إن تم لهم ذلك لا يقدمون العمل وفق المستوى المطلوب، لأنهم يضغطون عمل فصل دراسي في أسبوع، أو عمل أسبوع في يوم، وفوق هذا وذاك تجد أن نسبة الغياب لديهم مرتفعة، ويتوقعون أن تقبل أعذارهم طالما هي طبية ومختومة! وبعد استلام الدرجة يطالبون بالتعديل أو الرفع، وإن لم يتم لهم ذلك تبدأ الشكاوى والتذمر والملاحقة! هكذا طلبة يمثلون كابوسا لأي أستاذ جامعي، خاصة إن كان ممن يهتم ويبذل قصارى جهده حتى يرتقي بهم.
طلابنا بشر، ويستحقون أن يعاملوا باحترام كبشر، مع الكثير من التعاطف والإيجابية نظرا لما قد يمرون به من ضغوط خلال تواجدهم في مؤسسات التعليم العالي، ثم إن عددا كبيرا منهم جاد في العمل، ولديه الإرادة للتقدم والتطور مع الالتزام واتباع المعايير المطلوبة، ولكن هذا لا يعني أننا نتخلى عن معاييرنا مع البقية، أو نجعل من محاسبة الطلاب طبقا لهذه المعايير أمرا ثانويا أو شديد الحساسية! نعم قد يتقدم الطالب بأعذار ينفطر القلب لها، ومنها ما هو صحيح فعلا، ومع ذلك يستخدمها البعض الآخر الذي يفتقر إلى مبادئ الالتزام والمصداقية كسبل سهلة للتنصل من المسؤولية والمحاسبة، فكيف يستطيع الأستاذ الجامعي أن يحكم بموضوعية؟ هل يلجأ إلى استخدام معايير منخفضة أو قبول الأعمال الضعيفة؟ هل هذا في مصلحة طلاب اليوم؟ هل هذا في مصلحة المجتمع؟ هل يبرر تعاطفنا مثلا كتقبل أعمال ضعيفة المستوى من طلبة الطب أو الهندسة المعمارية ونحن نعلم أن تشخيصا خاطئا قد يقتل، وأنّ بناء مدرسيا بأساس ضعيف قد يقع على رؤوس التلاميذ؟ أم يبرر تعاطفنا معلم مدرسة يدمر عقولا بدل من أن يبنيها؟ أم هل يبرر لنا تخريج إعلامي أو كاتب أو أديب أو باحث غير قادر على إنتاج عمل أصيل صادق ومفيد؟ من يستطيع أن يحدد لنا تخصصا لا يشكل خطرا على المجتمع إن لم يؤهل الخريجون حسب معايير الكفاءة؟
بالطبع نتمنى كأساتذة جامعيين أن نحظى بالطلبة المؤهلين بالمهارات التي تمكنهم من الأداء الجامعي، ولكن الواقع أن الكثيرين لا يمتلكون هذه المهارات، والسؤال هنا: ما الذي يجب أن نفعله لتلبية احتياجات الطلبة؟ هذا لا يعني أن المسؤولية برمتها تقع على عاتق الأستاذ، ولكن يجب أن تشارك الجامعة كمؤسسة في وضع الحلول المناسبة للمساعدة، وقد يظل هنالك طلبة ممن سيقاوم ويفضل المراوغة والتسيب، وهنا تظهر أهمية وضع مجموعة من التعليمات وسياسة صارمة للدرجات من أعمال واختبارات وحضور ومشاركة، والتأكد من أن الطالب استلم مسبقا قائمة بالمعايير الواضحة والدقيقة، ليدرك تماما أنه هو المسؤول عن الالتزام بكل مرحلة من مراحل الأعمال المطلوبة، وبالطبع لا ننسى تأمين غرف مصادر تعليمية بهيئة متخصصة بالتشخيص ووضع البرامج للتقوية وتنفيذها، والتشجيع على خلق مجموعات أقران للدراسة، وفتح باب التواصل وتقبل أسئلة الطلبة حين تظهر، وإن بقي بعد كل ذلك من لا يفرق بين الجهد والإنجاز أحلناه إلى قائمة المعايير مجددا، فإن قمنا بكل ذلك وجدنا في الاختبار التالي أو المشروع التالي نسبة أكبر من الالتزام، وتحمل مسؤولية التعلم، وأخذ التكاليف على محمل الجد! لنعلم أن درسا صارما وحازما لهم في البداية أفضل بكثير من درس لنا (كمجتمع) في النهاية.