ليت صاحبة مشروع «أكاديمية التعدد» فكرت في إنشاء جمعية أو مؤسسة لحماية المتضررات من تعدد الزوجات وحماية حقوق أبنائهن، مع إيصال رسالة توعوية إلى المجتمع بالحفاظ على كيان الأسرة
أثار إعلان إحدى الأكاديميات السعوديات عن إنشاء «أكاديمية التعدد»، سجالا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي في المملكة، وسط انتقادات واسعة لمثل هذا المشروع، وفكرة الأكاديمية تقوم على أساس أن «التعدد كفكرة نص عليها القرآن الكريم ومسلّم بها»، وهذه الفكرة في الحقيقة هي السائدة في المجتمعات الإسلامية كافة.
فلو سألنا المسلم العادي عن مسألة «تعدد الزوجات» لقال بعفوية: «إن هذا الأمر من شريعة الله ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم»، ولو قلنا: لماذا أباح الله عزّ وجل تعدد الزوجات؟ لربما تحيّر في الأمر، أو ردد على مسامعنا ما يقوله فقهاء اليوم ورجال الدين في هذه المسألة، مثل أن الرجل بطبيعته يحب التعدد، بالإضافة إلى كثرة العنوسة في المجتمع، وأن يكون للرجل عدة زوجات أفضل من أن تكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات! وعلى هذا المنوال نجد التبريرات لهذه المسألة من موقع دفاعي لا يدرك العلل والمقاصد من تعدد الزوجات في الأساس.
ويعتمد فقهاء المسلمين على تشريع التعدد على الآية الثالثة من سورة النساء في القول بإباحة زواج الرجل بأربع نساء كحد أعلى وفي وقت واحد، وذلك في قول الله تعالى: «وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا»، وعلى هذا الأساس قالوا إن «شرط إباحة التعدد هو القدرة عليه بدنيا وماليا، فإذا آنس الرجل من نفسه القدرة على العدل أبيح له الزواج والتعدد».
ولهذا فإن المشكلة الرئيسية التي تواجهها المجتمعات الإسلامية تتمثل في رؤية الرجل وتصوره عن المرأة، ولا نستثني من ذلك بعض رجال الدين، مما ينعكس ذلك على أفكار وأحكام الفقهاء تجاه التعامل مع المرأة، وبالتالي فإن الرجل في المجتمع يتحرك نحو تشكيل الأسرة أو العائلة بدافع الحاجة الجنسية البحتة وحب السيطرة وتملك المرأة وممارسة الوصاية عليها، بالإضافة إلى عدم الوعي بإنسانيتها واستقلاليتها، فتتحول العلاقة الزوجية إلى علاقة ترتبط برابط التملك والغريزة، وليس رابط المودة والرحمة، فتكون العلاقة الزوجية بالنسبة للمرأة على أساس الخوف والخنوع للرجل، وليس على أساس الحب والمسؤولية.
النظرة الدونية إلى المرأة أو بمعنى أصح الثقافة الذكورية هي التي شكلت تفسير النصوص الدينية التي تتحدث عن مسألة تعدد الزوجات، وهذه الثقافة هي نفسها التي جعلت من هذه المسألة من شريعة الإسلام، مع أن القرآن الكريم ينص صراحة على أن الزواج يكون بواحدة فقط، يقول الله عزّ وجل «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة».
يقول رجال الدين إن تعدد الزوجات سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وكما هو معلوم عند الفقهاء فإن العمل بالسنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وبالتالي فإن مسألة تعدد الزوجات مسألة تعبدية، والرسول عليه الصلاة والسلام قد جمع عددا من النساء في وقت واحد، والسؤال المطروح هنا: هل بالفعل شرّع الإسلام التعدد.. وهل التعدد سنة نبوية؟.
إن تعدد الزوجات ظاهرة عرفتها البشرية منذ القدم وفى كثير من المجتمعات قبل الإسلام، فعلى سبيل المثال «أباحت التوراة لليهودي الزواج بأكثر من واحدة، ولم تحدد له عددا ما، إلا أن التلمود حدد العدد بأربع، على شرط أن يكون الزوج قادرا على إعالتهن، إذ لا يجوز أن يزيد الرجل على أربع زوجات، كما فعل يعقوب إلا إذا كان قد أقسم بذلك عند زواجه الأول، وإن كان قد اشترط لمثل هذا العدد القدرة على الإنفاق».
وعند العرب قبل الإسلام كان الزواج بأكثر من واحدة عادة اجتماعية متعارف عليها، وقد يصل عدد الزوجات في ذلك الوقت لأكثر من عشرين امرأة، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر ويعيش في ذلك المجتمع، فقد جمع أكثر من امرأة كعرف اجتماعي موجود أصلا، ثم حرّم على الرسول الحصول على المزيد من الزوجات، كما جاء في قوله تعالى «لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبا».
ومما سبق، يتضح أن مسألة تعدد الزوجات لم تكن تشريعا إسلاميا، كما يردده رجال الدين، بل إن الإسلام قد حد منها إلى أضيق الحدود، وجعل الأصل في الزواج بواحدة فقط، وحتى الآية التي يستشهدون بها دائما في قوله تعالى «فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع» فقد نزلت لإقرار حقوق اليتامى، ذلك الهدف الإنساني الذي أهمله الفقهاء، بحيث لا يظلم اليتيم ولا تهدر حقوقه ولا تؤكل أمواله بالباطل، ثم تتحدث الآيات عن شروط وضوابط للتعامل مع الأيتام بما يتناسب مع ظروف المجتمع في ذلك الوقت، وآية التعدد التي يستشهد بها الفقهاء لم تأت للحديث عن الزواج أو عن التعدد في الأساس فقد كان موجودا في ذلك الوقت.
والأمر الآخر الذي ينبغي تسليط الضوء عليه هو ظاهرة تغير القيم والأعراف والأفكار في المجتمعات الحديثة، فما كان بالأمس يعد من العدالة في التعامل مع المرأة قد لا يكون اليوم كذلك، فليت صاحبة مشروع «أكاديمية التعدد» فكرت في إنشاء جمعية أو مؤسسة لحماية المتضررات من تعدد الزوجات وحماية حقوق أبنائهن، مع إيصال رسالة توعوية إلى المجتمع بالحفاظ على كيان الأسرة والتوعية بمساوئ وسلبيات تعدد الزوجات في وقتنا المعاصر.