عبدالله الغامدي

في السنوات العشر المنصرمة انقلبت موازين السياحة كثيرا في المجتمع السعودي كما وكيفا، وأفرزت مجموعة من السلوكيات الجديرة بالتأمل والتدبر دون الدخول في جدلية الحكم على صحة التصرفات من عدمها، مما قد يثير حربا وغبارا من القراء يسد ما بين الأرض والسماء!
تقول القصة إن السيد سائح يمتلك مبلغا بسيطا من المال يكفي لسكن فندق ثلاثة إلى أربعة نجوم في أفضل الحالات، وتذكرة (بدجت اند دايت) تقف به في أكثر من محطتين ليتحول السفر إلى دولة تبعد ساعتين ونصف عن السعودية، إلى وعثاء تستغرق أكثر من 10 ساعات ما بين إقلاع وهبوط وانتظار ثم إقلاع ثم هبوط وهكذا دواليك!
يصل السائح إلى وجهته مصحوبا برعاية الله فتندلع ثورة الموبايل بمجرد نزوله من سلم الطائرة - الذي تغنى به صوت الأرض ذات مرة - ليمطر أهله وأصدقاءه وجيرانه وجروبات الواتس ومواقع التواصل بجمال البلد وروعة المطار وحلاوة الجو ولذة الزاد وصفاء النفس وتجدد النشاط، كل هذا يتبلور فيما يعادل 50 صورة لكل يوم إقامة، وتتخلل هذه الصور مباركات البعض وحنين البعض الآخر وانتقاد الثالث ووجوم الرابع!
في الأيام الأولى للسياحة (الدايت) تظهر عادة ملامح الانتشاء من خلال اللبس الأنيق المجهز قبل السفر وكذلك المطعم والمقهى المميزين، ويبدأ هذا الشعور بالتلاشي بمجرد ملاحظة تكرار نفس الملابس وارتياد المطاعم والمقاهي (الإيكونومي) قبل العودة، وذلك لشح الموازنة العامة للسائح وصراع المتبقي من القريشات مع المأمول من الرغبات!
وتأتي العودة ويبدأ مسلسل من نوع آخر وبسيناريوهات مختلفة تصب كلها بشكل أو آخر في حوض (فاتكم نص عمركم).. فتشرئب أعناق من لم يسافر لخبرة مشابهة وتزيد حالة الزهو والفرح لدى السائح!
فكرة الترحال بأقل المؤن ظاهرة لم تكن موجودة في أيام الطفرة وما تلاها في المجتمع المحلي.. فكرة السياحة بأكملها كانت أيضا قضية تعد لها القليل من البيوتات المحلية العدة، وتأتي في الغالب متزامنة مع رحلات العلم والعمل.. فأحدهم في دورة تدريبية يقتطع منها ساعات ليذهب هنا أو هناك، وثان يعمل في السلك الدبلوماسي وينفرد وأسرته برحلة مرة أو مرتين في العام وثالث يقتطع أسبوعا من العام ليقضيه (حسب الأصول المعتبرة للسياحة)، والتي تعني غالبا المسكن الطيب والمأكل الجيد والإقامة المحددة بأيام بعيدا عن منغصات التفكير كل ساعة بما تبقى من المال والزاد والراحلة!
السفر والسياحة هبة من الله، ولكي نبلور هذه الهبة ونحولها إلى بهجة للنفس وسلوك إيجابي فهذا بتقديري يتطلب معاودة النظر في ما يصرف عليها من ميزانيات بحيث تكون مقنعة، وإن طالت فترات انتظار السفر.. يجب أيضا أن تتحرر السياحة من قيود المباهاة رغم قلة الحيلة فالمتضرر بشكل رئيسي هو السائح.. يجب أيضا أن تكون فرصة لتجديد النفس وإقناع الداخل وإشباع الذات والأهل وذلك ليؤوب المسافر، وقد حقق الهدف من سفره وهو العودة لميدان الحياة الأرحب بنشاط أكبر وعزيمة أفضل ورافقتكم السلامة.