بحكم وجودنا كطلاب سعوديين مبتعثين، فإننا غالبا، نشارك تجاربنا الزملاء الخليجيين والعرب، وفي كل مرة يأتي الحديث عن التعليم، وتقويم الأداء فيه، وأسمع عما يحدث في بلدانهم يملؤني سؤال؛ أين سيكون موقع الطالب السعودي عندما يخرج للعمل بعد عشر سنوات من الآن؟ مدير المؤسسة المخطط، أم التنفيذي، أم الموظف الصغير، أم العامل الذي يحمل البضائع؟
 لقد كتبت أمس قائمة مختصرة للمشاريع التي دعمتها الدولة، وقتلت أو غُيبت بالاستعجال على نتائجها، أو تغيير القيادات، ومحاولة صنع تغيير يرتبط بأسمائهم، دون اهتمام بأين يتجه هذا التغيير.
ذكرت من ضمن ما ذكرت المشروع العظيم هيئة تقويم التعليم، وهي عبارة عن مؤسسة مستقلة، ترتبط بمجلس الوزراء مباشرة، وبناء على نتائج عملها تصاغ وتبنى أهداف التعليم، وكل ما له علاقة به.
تاريخ الدول العظيمة في التعليم بلا استثناء، يرتبط بإنشاء مؤسسات كهذه المؤسسة، إذ توجد في بريطانيا وألمانيا وأميركا، على اختلاف طريقة تعاملهم مع النتائج.
بدأنا نحن بقرار من خادم الحرمين الملك عبدالله -طيب الله ثراه- وعمل رجال ونساء على بناء هذه المؤسسة، ووضعوا خطة لخمس سنوات، وبناء عليها دُرِّب المختصون بالتقويم، وبدأ تقويم المدارس الخاصة كتجربة، وأقيمت اختبارات وطنية في اللغة العربية للصفوف الثالث والرابع والخامس والسادس، وأنجزت رخصة المعلم، وكانت بانتظار أن تُفعَل في أول اجتماع لمجلس الإدارة لكن ماذا حدث؟
تقاعد معالي المحافظ، وعُيِّن في مجلس الشورى، وعُيِّن محافظ آخر، وأحيلكم هنا إلى مقالي عن تعيين رئيس OFSTED
وهي مؤسسة تتحمل مسؤولية تقويم التعليم في بريطانيا، عنوان المقال «أماندا والتدريس».
على كل حال توقفت معظم هذه المشاريع في الهيئة، ولم تُقوَّم أي مدرسة، ولم تُفعَّل رخصة المعلمين، وهناك أخبار أنه رغم كل ما صرف عليها من جهد ومال، سيصرف النظر عنها، وتستبدل بما يقوم به قياس.
هل هذا يشبه ما حدث للتقويم الشامل وبقية المشاريع؟!
ربما فكل شيء ممكن في غياب الرقابة والمساءلة، ورغبات القيادات في صناعة مجد شخصي، فيصرفون وقتهم في تحطيم مشاريع من سبقهم، على أمل أنهم سيصنعون ما هو أفضل، فيضيع مستقبل أبنائنا وتعليمهم، بين فلان وفلان، ونخسر عشرات الكفاءات بسبب أنها لم تعد مستعدة أن تجتهد، ثم فجأة تنزع جذور زرعها قبل نضج الثمار وحصاده.
كل شيء نحن قادرون على تعويضه إلا طلابنا، إذا خسرنا عملية بنائهم، ومرحلة اكتسابهم للمهارات؛ لن يعوض ذلك أبدا، وسنستيقظ ذات صباح نتساءل فيه؛ أين موقع مخرجاتنا من سوق العمل؟ وأين ستكون ثقافتنا في سوق الأدب والفنون؟ بل أين موقع اقتصادنا؟ فلا نجد إجابة.