يمثل الملك سلمان وسياسته المنفتحة وجهة جديدة لاستكشاف عالمنا العربي من جديد، فهو الذي حكم الرياض منذ عام 1955، ويدرك كيف تغيرت قواعد الحكم في العالم
عام 1933 التقى الملك عبدالعزيز بن سعود، والأمير عبدالله بن الحسين، آنذاك، في أول اجتماع لإرساء عهد الأخوة والشراكة بين البلدين الناشئين. كانت التحديات كبيرة والآمال أكبر بطيّ صفحات تاريخ العرب الممزق، والبدء بمشروع النهضة العربية ومواجهة تكالب الدول الاستعمارية واقتراب عواصف الحرب العالمية، فاتفق الزعيمان على ترسيم الحدود البرية والاعتراف المتبادل بالدولتين، والعمل على تأسيس كيان عربي جامع، وكانت بعد ذلك الجامعة العربية، وقبل ذلك الاجتماع كان شاطئ الخليج العربي قد شهد الاجتماع الأول بين الملك عبدالعزيز والملك فيصل الأول ملك العراق، وافترق الملكان على عهد التعاون وفتح أبواب المستقبل للأجيال والأمة العربية بعد تخليصها من نير الاستعمار.
منذ ذلك الحين، صعدت العلاقات بين الأردن والسعودية إلى مراتبها العليا، فالأهداف مشتركة، والتعاون والتنسيق على أعلى مستوياته لضمان حصاد سياسي وفير، وتتالت اللقاءات، إذ استقبل الملك عبدالعزيز الملك الحسين عام 1951، بعد اغتيال الملك عبدالله الأول، وكان الدفء في العاطفة على ما يبدو حافزا لإعطاء الحسين الفتيّ الغضّ جرعة كبيرة من القوة لنقل الأردن الى مرحلة ثانية من البناء والتخلص من التبعية المباشرة، كما فعلها عبدالعزيز الذي حرص على الوفاء بعهده للملك عبدالله الأول بأن يكون أخا كبيرا وداعما للقيادة الأردنية، فالتقى الملك طلال، وبعث الأمير سعود ولي العهد في 15 أغسطس 1935 إلى عمان، التي عاد إليها ثلاث مرات آخرها عام 1958.
التاريخ جميل لمن يعرفه جيدا، ويفهم ظروفه ويستوعبه بموضوعية، ويراه بعين الواقع المرير الذي عاشته بلادنا وأمتنا آنذاك، ولهذا للجميع أن يحرص على تدعيم التعاون والتركيز على تعظيم القيم العالية والتاريخ الاجتماعي المشترك بين البلدين والبلاد العربية، فالأردن شهد حكم 4 ملوك، والبلاد السعودية شهدت 7 ملوك، ولم يغب أحد منهم عن الآخر ولم ينقطع الوصل حتى في أحلك الظروف، وتعاون البلدان سياسيا واقتصاديا وعسكريا على مرّ السنين الماضية وحتى اليوم، ولا نعتقد قطعا أن العلاقات ترتبط بالمصالح الذاتية، فلا مقارنة بين الاقتصاد السعودي العملاق والأردن المكافح، ولكن العلاقة التي بنيت على إرث التاريخ المشترك ووحدة الدم والتراب والقيم والتقاليد والتحديات الخارجية، هي الدافع لتحقيق مستقبل مشترك لا ينفصم.
اليوم، الضيف الكبير هو صاحب البيت بلا شك، فالملك سلمان بن عبدالعزيز، له مكان واسع في ذاكرتنا، فيها ما يقال ومنها ما لا يقال، وليس من الأدب التحدث عن مكارم لا يعلم عنها الرأي العام، ويحرص صاحبها على أن تكون من أخ إلى أخيه، ومن بيته إلى بيت أشقائه، ولكن يجب أن يظهر مدى التقدير والمحبة التي يكنها غالبية الشعب الأردني للملك سلمان، ومن قبل سلالة من إخوانه الكرام العظام، فهو نادر في رجولته وحماسته، صلب في مواقفه، كالماس نقي وحاد، لهذا ثار على تقاليد الدبلوماسية التي لا يحترمها الجيران الطامعون، لوضع حد لهم، واستمر على تقديم الدعم للأشقاء لأنه يعرف أن الأسوار يجب أن تكون قوية لا يمكن اختراقها.
يمثل الملك سلمان وسياسته المنفتحة وجهة جديدة لاستكشاف عالمنا العربي من جديد، فهو الذي حكم الرياض منذ عام 1955، ويدرك كيف تغيرت قواعد الحكم في العالم، ولهذا فإن حضوره إلى عمان اليوم ليس سوى ثقته بأن الأردن هو ما يمثل «اللوزتين» للجسم، خط دفاع مشترك، كما قالها الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- عام 1992، والزيارة المتعجلة للقاء جلالة الملك قبل اجتماع القمة، هي دفع كبير للعلاقات المنسجمة بين القيادتين والبلدين الشقيقين، خصوصا في ظل المتغيرات التي طرأت على عالمنا العربي، وتكالب الدول على منطقتنا وشعوبنا.
القيادة الأردنية والشعب وأركان الدولة يرحبون جميعا بخادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ووالوفد الكريم في بلدهم وبين أهلهم، ويستذكرون تاريخ زيارات جلالته المتكررة على مرّ العقود، ويحفظون الجميل للحكومة السعودية في استمرار الدعم المالي والاقتصادي طوال السنوات الماضية، المعلن منها وغير المعلن، فالعلاقة بيننا ليست ائتلاف شركات تجارية، بل هي جدار متين ممتد عبر الزمن بناه الآباء والأجداد، ويحرص عليه السلف الطيب من الحكام والحكماء، لما فيه خير البلدين وتعزيز قوتهما ومنعتهما، وتوافق سياساتهما ومصيرهما المشترك.
الملك سلمان في عمّان يجسد التاريخ والتجديد، فأهلا به، نحن الضيوف وهو رب المنزل، عالي المقام، تحمله الرموش قبل القلوب، هو وصحبه الكرام، كيف لا وهو القائل قبل أن يكون ملكا: الأردن بيتي والملك عبدالله واحد من أولادي.