مؤسف أن تنتشر مثل هذه المقاطع في دول إسلامية، ونحن الذين تعلمنا صغارا من والدينا ومن دروس ديننا أن بغيا دخلت الجنة لأنها سقت كلبا، وامرأة دخلت النار في هرة لأنها حبستها

رجل آسيوي يشعل النار في فأر، شاب خليجي يوهم القطة بإطعامها ثم يقوم بركلها بكل قسوة، شباب مصريون يقومون بتعذيب كلب، شاب سعودي يقوم بضرب وافد إفريقي بآلات حادة، مجموعة شباب يسكبون القهوة على عامل في كشك قهوة على طريق سريع. كلها مشاهد مرت علينا، وشاهدناها رغما عنا، في أقل من عام!
فلا يكاد يمر أسبوع دون أن يقوم أحدهم بتمرير فيديو مريع تتم فيه ممارسة العنف ضد إنسان أو حيوان، تختلف الأماكن والأوقات، وتتنوع البلدان واللغات، إلا أن الحقيقة المرة واحدة: إيذاء نفسي أو جسدي من قبل شخص أو مجموعة أشخاص ضد كائن أضعف، سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا أو حيوانا. ولسبب ما، ينم عن خلل نفسي ونفسية سيكوباتية مريضة، يقوم هؤلاء أو أصدقاؤهم بتصوير هذه المشاهد الأليمة وتعمد نشرها. فما الذي يحدث للبشر؟
لا شك أن التعذيب والظلم كانا موجودين منذ قديم الأزل، لكن هذا التصوير وتعمد النشر هما ما يجعلان حوادث اليوم مختلفة عن حوادث الأمس. فتوفر التقنية ساهم في تعريفنا بهذه الجرائم بشكل أكبر، ليس لغرض التوعية للأسف، وإنما لغرض الشهرة. فهذه الأخيرة غدت مطلوبة بأي ثمن، وتحولت من كونها خاصة بالمشاهير والوجهاء، ممن ميزهم الله بالعلم أو الأدب أو المال أو المنصب، أو من المشتغلين في مجالات بعينها مثل الفن والرياضة، وكانت تُبنى عبر سنوات أو عقود، إلى أمر متاح لكل شخص، فكل ما يحتاج إليه المرء ليشتهر هو بذل القليل من الجهد في ابتكار فكرة غير تقليدية تضمن له هذا الانتشار.
ولما كان ابتكار الأفكار الخلاقة أو المبادرات الإيجابية يحتاج إلى شيء من الجهد العقلي والتفكير المنطقي، فإن الأكثرية تختار الطريق الأسهل، وهو الاشتهار عن طريق القيام بأمر سخيف أو سلبي. بعض هذه التصرفات متناهية الإسفاف وسوء أدب، ولكنها لا تؤذي غير صاحبها. فالحل الأمثل معها هو التجاهل، وعدم نشرها، وبالتالي عدم تحقيق هدف هذا المريض الطامح بالشهرة، لعله يمل ويجد شيئا أجدى يفني فيه حياته.
لكن ماذا عن هؤلاء الذين يريدون تحقيق الشهرة نفسها ولكن عبر الأعمال المؤذية لمخلوقات الله؟ ما هو السبيل الأنجح للتعامل معهم؟ بالتأكيد هناك قوانين خاصة بالإيذاء الجسدي، سواء بتصوير أو بدونه، وهذه ستطبق عليهم حال القبض عليهم، مثلهم مثل غيرهم، ولكن هل ذلك كافٍ لهم ومفيد للمجتمع الذي يعيشون فيه؟
لا يوجد أي مبرر للعنف أو التعذيب، لا باسم الأديان أو الأوطان أو خلال جلسات التحقيق أو بحجة محاربة الإرهاب، إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون دفاعا للفرد عن النفس في مواجهة الموت. ومع ذلك يستطيع المرء أن يفهم – وليس يتفهم- أن يفقد أحدهم أعصابه في لحظة غضب ويؤذي غيره. ستظل جريمة نكراء لكنها تختلف عن تلك التي تمت مع سبق الإصرار والترصد. وهؤلاء الذين يصورون جرائمهم وهم يضحكون ويتفاخرون تجاوزوا حتى مرحلة سبق الإصرار والترصد إلى مرحلة المجاهرة والرغبة بنشر الظلم والإيذاء في المجتمع، وتشجيع الآخرين لاتباع النهج ذاته، ولهذا فهم يحتاجون عقوبات أشد.
أليسوا طلاب شهرة في الغالب؟ فعقوبتهم يجب أن تتضمن التشهير بهم وبفعلهم الشنيع، وأن يخضعوا لعلاج نفسي إجباري، بحيث يصبح لديهم ملف يثبت وجود هذا الخلل في دواخلهم، يمكن الرجوع إليه وقت الحاجة. فأمثالهم لا يجب أن توكل إليهم، حتى ولو بعد عشرين سنة، مناصب حساسة تؤثر على حياة الملايين من البشر.
يحاول البعض أن يجد مبررات أحيانا للعنف، خاصة إذا كان صادرا عمن يشبهوننا ضد الآخر المختلف عنا في شيء أو عدة أشياء، بالقول: «لا نعرف خلفية الحادثة» أو «من المؤكد أن هناك سببا قويا وراء هذا الفعل»، والحقيقة أن مبرر الفعل الإجرامي، مشارك بشكل جزئي في الجريمة. فحتى لو صح بأن أحدهم كان قد أساء للآخر وأراد الثاني أخذ حقه فإن هناك دولة وقضاء وقانون، ولسنا في غابة. فحتى الحرب وفيها موت وحياة، لها أحكام شرعية إسلامية وأخرى دولية تحدد بوضوح كيف يجب أن يُعامل الضعيف فيها أسيرا كان أم جريحا.
أما الجريمة الأكثر إيلاما والتي تكاثرت في الأيام الأخيرة، والتي يستحيل إيجاد مبرر لها، فهي تعذيب الحيوانات، حتى لو كانت مفترسة. فمن حق البشر الدفاع عن أنفسهم أمام أسد أو نمر أو تمساح أو حية حتى لو اقتضى ذلك قتل هذه الحيوانات، لكن القتل لأجل البقاء غير التعذيب. فالحيوان لا يعقل، وهو إذ يفترس الإنسان يفعل ذلك إما خوفا أو جوعا، فدفع شره مبرر، أما تعذيبه لعقابه على سلوك فطري فهي جريمة الإنسان. خاصة إذا كان الإنسان هو من يعتدي على هذه الحيوانات في بيئتها الطبيعية، أو يخرجها من بيتها ليجبرها على أن تكون أليفة وهو ضد فطرتها. فموضة اقتناء الحيوانات المفترسة تزايدت مؤخرا لدى أبناء الأثرياء المرفهين، مما يشكل خطرا على المجتمع، وأستغرب ألا يُتخذ إجراء ضدهم؟! خاصة أولئك الذين يتباهون بها في الأماكن العامة، ويسعدون بإثارة الرعب في نفوس الآخرين.
ومع ذلك، أغلب الحيوانات التي نراها تتعرض للتعذيب هي الحيوانات الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة. ومؤسف أن تنتشر مثل هذه المقاطع في دول إسلامية، ونحن الذين تعلمنا صغارا من والدينا ومن دروس ديننا أن بغيا دخلت الجنة لأنها سقت كلبا، وامرأة دخلت النار في هرة لأنها حبستها، لاحظوا لم تعذبها!، ولم تطعمها.
ومن يعذب حيوانا هو ليس فقط إنسانا مريضا، بل خطير، فتاريخ السفاحين الذين ارتكبوا جرائم القتل المتعدد يشهد بأنهم كانوا قد مارسوا العنف ضد الحيوانات في طفولتهم وصباهم ومطلع شبابهم، فهي من علامات موت الضمير وانعدام التعاطف والإحساس والتمركز حول الذات.
كما قلت في بداية مقالي، العنف ليس جديدا على المجتمعات الإنسانية، لكن الجديد هو أن يغدو وسيلة للتسلية والتباهي والشهرة! وهو تطور خطير ستكون له انعكاسات مرعبة على هذه المجتمعات ما لم يتم كبح جماحه باكرا.