أحلم أن تنتهي كل مشاكلنا، أنا فقط أحلم بمشكلة جديدة فيها روح الدهشة والمفاجأة، فإن لم نستطع حل المشاكل، فإن الحل هو تحديثها ولو جزئيا، مع الحفاظ على روح الأصالة فيها
في قاموسنا اليومي، يأتي مصطلح أصالة معاكسا للحداثة، والأخيرة نستخدمها غالبا كشتيمة مثلها مثل الليبرالية والديمقراطية والنخبوية، ولمن أراد أن يقرأ عن الحداثة أنصحه -ولا أتحمل وزر النصيحة- أن يقرأ كتابين مهمين في هذا الشأن، همها: «الحداثة في ميزان الإسلام» للشيخ عوض القرني، وكتاب «حكاية الحداثة» للدكتور عبدالله الغذامي، ولا تخفى على القارئ الفطن القيمة المعرفية العظيمة لهذين الكتابين، وإثراؤهما للعقل والمكتبة العربية!.
هذه المقدمة التي تبدو كأنها برعاية هيئة الترفيه، ضرورية جدا، والحديث عن تشويه مصطلح «الحداثة» من خصومها ومؤيديها على حد سواء، هو التشويه ذاته الذي يجعلنا نعتب على مشوهي مصطلح الأصالة، لكن العتب ليس له علاقة بالأنساق والفحولة والنسوية «النسوية مصطلح في السعودية يهتم في ألا تقول للمرأة
يا حرمة فقط!»، لكن العتب على الفساد «وليس الفاسدين»، فنحن من صاحب المعالي إلى من لا صاحب له، نُقر ونعترف بوجود فساد، لكننا لا نعرف فاسدين. «وين الأصالة في الموضوع؟!».
الأصالة أن كل ما حولنا «تحدّث» إلا الأشياء السلبية ما زالت تحتفظ بأصالتها، حتى بتنا نخشى أن يجرفنا تيار الحداثة، أو -لا سمح الله- تدخل مستشفى حكوميا وتخرج منه وأنت بكامل عافيتك، أو تمر فعالية فنية أو ثقافية دون أن يمرّغ شاب محتسب أنف المايكرفون بالتراب، تطبيقا لوصية شيخه الذي يقضي إجازته في أحد شواطئ أوروبا، أو أن تمر أشهر دون أن يستفز مثقف «ريبراري عتيق» المجتمع برأي قرأه في «قروب واتساب»، وتبنى ذلك الرأي الذي ينسبه إلى كتب التراث، وقس على ذلك الأخبار التي ستحدث في الأيام القادمة كانقطاع الكهرباء، ومشكلة نقص المياه، وغيرها من مشاكلنا التي تستمد أصالتها من فصل الصيف، وهذه بالذات لأصالتها أهمية للزملاء في قسم المحليات، إذ ينبغي عليهم الرجوع إلى الأخبار نفسها التي حدثت العام الماضي «حدث في مثل هذا اليوم»، وعليهم أن يراعوا عدم التغيير كثيرا في الخبر كي لا يفقد أصالته وعمقه التاريخي والحضاري، وهذا لا يعني أنني ذو نزعة أفلاطونية، وأحلم أن تنتهي كل مشاكلنا، أنا فقط أحلم بمشكلة جديدة فيها روح الدهشة والمفاجأة، فإن لم نستطع حل المشاكل، فإن الحل هو «تحديثها» ولو جزئيا، مع الحفاظ على روح الأصالة فيها، أترون كم أبدو لطيفا ومتسامحا؟ فأنا لم أتجرأ وأطلب أن نعيد تكرار أصالة التجارب الناجحة، فكل ما أطلبه هو أن تكون المشكلة جديدة ومحفّزة للتفكير، ومع ذلك سيأتي صديقٌ ما، ليعترض بصوت حاد: متى تتخلص من جَلد الذات؟ وأحاول أن أمتص جديته بأن أتفق معه!