كشفت الأزمة المالية في الفترة 2008-2009 عن نقيصة خطيرة في بنية النظام المالي العالمي: عجز سوق الليلة الواحدة للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري عن التعامل مع انهيار فقاعة الإسكان. وبعد مرور تسع سنوات تظل هذه النقيصة بلا علاج وافٍ.
عندما اندلعت الأزمة كانت الشركات في الولايات المتحدة تُقرِض أموالها الإضافية لليلة واحدة للبنوك وغيرها من الشركات المالية التي كان عليها أن تسدد القروض بالإضافة إلى الفائدة في الصباح التالي. ولأن التأمين على الودائع المصرفية كان يغطي فقط ما يصل إلى مئة ألف دولار، كان أصحاب الملايين يفضلون عادة سوق الليلة الواحدة، باستخدام التزامات الخزانة الأميركية الطويلة الأجل الفائقة الأمان كضمان.
لكن المقرضين لليلة واحدة يمكنهم أن يحصلوا على أسعار فائدة أعلى إذا قَبِلوا كضمان مجمعات الرهن العقاري الأقل أمانا، وقد فعل كثيرون هذا على وجه التحديد. وسريعا أصبحت سوق الإسكان الملتهبة تعمل كسوق مال قيمتها عدة تريليونات من الدولارات.
ولكن سرعان ما بات من الواضح أن مجمعات الأصول التي تستند عليها هذه المعاملات تتسم غالبا بعدم الاستقرار، لأنها تتألف بشكل متزايد من الرهن العقاري المنخفض الجودة. وبحلول عام 2009 كان الذعر قد تملك الشركات، فأعرضت عن فكرة وقف أموالها النقدية لليلة واحدة، مع استخدام مجمعات الرهن العقاري كضمان. وأفضى هذا إلى تجمد النظام المالي الذي أصبح معتمدا على النقد. ونضب معين الإقراض، واشتد الخوف، وقفز الاقتصاد إلى الركود.
في مواجهة أزمة الإسكان، من المعقول أن يعود المقرضون إلى الذعر مرة أخرى، فيقررون أنهم لا يمكنهم الاعتماد على عمليات غير مختبرة لتثبيت استقرار البنوك، فيسحبون قروضهم ليلة واحدة. وبهذا تضطر البنوك المجردة من الأموال النقدية إلى التوقف عن الإقراض.
المفارقة الكئيبة هنا هي أن التحضير لإعادة الهيكلة، قبل مثل هذه الصدمة، يشجع المقرضين على تقديم مزيد من القروض لليلة واحدة. ويعمل هذا على توسيع سوق الإقراض لليلة واحدة، وتسهيل إقراض الرهن العقاري، وزيادة تكاليف الانهيار.
وهذه ليست مجرد تكهنات، إذ يعتقد أغلب مراقبي سوق الرهن العقاري أن نموها تسارع في عام 2005، بعد القرار الذي أصدره الكونجرس بإعفاء سندات الرهن العقاري من أغلب إجراءات الإفلاس، وهي الخطوة التي ألغت وقت انتظار السداد. وأقنع هذا التغيير مقرضي الرهن العقاري بأن أنشطتهم فائقة الأمان: فلم يعد هناك ما قد يضطرهم حتى إلى القلق بشأن نوعية المقترض. وعندما اندلعت الأزمة سرعان ما تلاشت هذه الثقة، وهرب المستثمرون.
قمت مؤخرا بعقد مقارنة بين هذا الموقف ومنطقة أعاصير مثل فلوريدا كيز. تساعد القوانين الأكثر صرامة في زيادة احتمالات قدرة المباني على الصمود في حالة حدوث فيضان. ولكن هذا (وغير ذلك من خطط مواجهة الأعاصير) يؤدي أيضا إلى اجتذاب مزيد من السكان. وإذا ضربت الأعاصير المكان فربما يصيب الذعر أولئك السكان برغم صرامة قوانين البناء، خاصة إذا تبين أن المباني أقل جدارة بالثقة مما كان متوقعا. وإذا فر عدد كبير من السكان في نفس الوقت، فسرعان ما تصبح مسالك الهروب شديدة الازدحام، ويصبح الجميع في خطر.
كان التعامل مع الرهون العقارية السكنية وكأنها سندات الخزانة الأميركية خطأً كبيرا في عام 2008، وهو خطأ اليوم أيضا. وينبغي للسلطات الأميركية أن تعمل على تعزيز سبل حماية سوق المال لليلة واحدة لسندات الخزانة الأميركية، والتي ليست عُرضة لحالات الهلع والفقاعات، مع إلغاء أغلب المزايا القانونية التي يتمتع بها التمويل القصير الأمد لليلة واحدة للأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.

نقلا عن موقع بروجكيت سندكيت
مارك رو - أستاذ كلية الحقوق بجامعة هارفارد