ثمة نقاط تشابه كثيرة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري، فضلاً عن حقائق كثيرة تؤكد بلا جدال صدقية وصف إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد بامتياز

ينكر الإسرائيليون أن كيانهم السياسي يمثل دولة أبرتهايد Apartheid، ويؤكدون أن وصم إسرائيل بالأبرتهايد هو مجرد كذبة أو مصطلح مفبرك يشكل سلاحاً في صراع سلب شرعية إسرائيل. ويقرون في الوقت نفسه بوجود «التمييز» في مجالات كثيرة، ضد اليهود الشرقيين وضد الفلسطينيين داخل وخارج ما يسمى الخط الأخضر، لكنه ليس أبرتهايد!!.
ويوغل الإسرائيليون في مزاعمهم وأكاذيبهم المتعلقة بديمقراطية كيانهم الذي تستند قوانينه وسياساته إلى ما يسمى «وثيقة الاستقلال» – عن من- التي تم اعتمادها كمادة أولى في قانون الأساس، وخصوصا البند القائل إن الدولة «ستحترم المساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل مواطنيها دون التمييز في الدين والعرق والجنس».
وأنه في هذا السياق مُنح الفلسطينيون داخل الخط الأخضر حق الترشح والانتخاب للكنيست. أما فلسطينيو الضفة الغربية، فيعيشون – حسب المنظور الإسرائيلي- «في حكم ذاتي ويصوتون للمؤسسات. وحتى اندلاع أعمال الإرهاب والقتل كان اليهود والفلسطينيون يعيشون معا. اليوم أيضا الحياة المنفصلة لا تنبع من مبدأ العنصرية أو القومية، بل بسبب الأمن».
ووضع الإسرائيليون انتقاد رئيس جنوب إفريقيا السابق فريدريك دي كليرك، الذي وضع مع نيلسون مانديلا حدا لنظام الابرتهايد، من يطلقون على إسرائيل اسم «دولة ابرتهايد»، بقوله: «هذا ليس منصفا» في منزلة «صك البراءة» من تهمة الابرتهايد. وتسلحوا بنجاح إسرائيل في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر عام 1974، القاضي بمساواة الصهيونية بالعنصرية.
بالمقابل، انتقدوا الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر وأفكاره التي صاغها في كتابه الشهير «فلسطين.. السلام لا التميز العنصري». ومؤخراً انتقدوا وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري لأنه حذر من أن عدم التقدم نحو حل للصراع، قد يؤدي إلى ظهور إسرائيل كدولة شبيهة بجنوب إفريقيا، في فترة الابرتهايد.
ويُقصد بأبرتهايد، نظام الحكم والسياسة العنصرية التي اتبعتها حكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا من عام 1948 حتى عام 1990. ويرتكز هذا النظام على نشاط استيطاني لجماعة قومية تؤكد على تميزها “العرقي الأرقى” عن السكان الأصليين، ونظام حقوقي من الفصل العنصري. وسيطرة نخب “العرق الأرقى” على مقدرات البلاد الاقتصادية وثرواتها، بما في ذلك الأرض. وترويج ثقافة سياسية ودينية ترتكز على نظريات عرقية، وتشكل تبريرا نظريا وأخلاقيا لنظام الفصل العنصري.
عملياً، وفي الواقع الإسرائيلي، ثمة نقاط تشابه كثيرة بين إسرائيل ودولة جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري، فضلاً عن وجود حقائق كثيرة تؤكد بلا جدال صدقية وصف إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد بامتياز.
وعلى سبيل المثال، تهدف عمليات الاستيطان الإسرائيلي داخل وخارج ما يسمى الخط الأخضر، أي على مساحة فلسطين الانتدابية، المترافقة ببناء الجدران العازلة والأسيجة الأمنية ونشر الحواجز والسواتر الترابية، إلى وضع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة في منزلة الأغلبية السوداء يقيمون في «بانتوستانات» أو «معازل» أو (أوطان) ذات سيادة اسمية، ووضع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في منزلة الزنوج أو الهنود الحمر في الولايات المتحدة الأميركية، الذين أرغموا على الإقامة في محميات أو أحياء خاصة بهم.
وتفيد المقارنة بين إسرائيل ودولة جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري، بوجود أصل تاريخي-اجتماعي مشترك، والارتباط بالبنية الاجتماعية والمصالح السياسية والاقتصادية للدول الغربية الداعمة لهما.
وفي النظام الاجتماعي الإسرائيلي هناك حالة من الازدواجية في العلاقات بين الجماعات الإثنية واليهودية (المستوطنين) وبين الفلسطينيين «سكان البلاد الأصليين» ففي إطار المستوطنين هناك انقسام طائفي –إثني بين الاشكناز والسفارديم، له تعبيراته في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بينما تجاه الفلسطينيين هنالك سيادة لمبدأ الأقلية والأكثرية والذي على أساسه تم اعتماد جملة من السياسات إزاء الفلسطينيين الذين تم منحهم الجنسية الإسرائيلية في دولة ليست لجميع مواطنيها. أي أن إسرائيل ليست «وطناً» للإسرائيليين، بموجب «قانون القومية» الذي عكس صراعاً حول الهوية الموحدة للجماعات اليهودية وغير اليهودية في فلسطين التي تنتمي حسب تصنيفات وزارة الداخلية الإسرائيلية إلى 138 قومية مختلفة. وبرر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو دعمه اللامحدود للقانون بقوله «في دولة إسرائيل مساواة في الحقوق الفردية لكافة المواطنين. لكن الحقوق القومية هي للشعب اليهودي فقط. العلم، النشيد الوطني، حق الشعب اليهودي بالهجرة إلى الوطن ممنوحة لشعبنا في دولتنا الواحدة والوحيدة فقط».
ويمكن إدراج العنصرية في إسرائيل ضمن أربع مجموعات يمكن تسميتها بـ«حلقات العنصرية» التي تترابط مع بعضها البعض وتغذي كل واحدة منها الأخرى، وهذه الحلقات هي: تصريحات عنصرية، عنصرية رسمية وغير رسمية لشخصيات لا تشغل منصباً كهذا؛ وسلوك عنصري؛ وقوانين عنصرية (أبرتهايد قانوني)؛ وثقافة عامة عنصرية.