حين تكون عاطلا من كل شيء إلا الكتابة والقراءة فما عليك إلا أن تتبع ما يلي:
انفض ما بقي عالقا بأطراف قلبك من الشوق إلى مسارات الحياة ومقاعد الدراسة والأمنيات التي بقيت عائمة بين مكتب وآخر يفصل بينهما كمية الإفلاس والإفلاس من كل شيء، إلا الإهمال والتعالي والغرور..
انشر حواسك على حبل الجَلَد.. ودع أشعة الصبر تسري إلى أقصى روحك تجفف معاطن الألم..
اهبط إلى الدرك الأسفل من النسيان، واغمس قلبك في غابات الغناء.. تجادل مع الروائيين.. أعد لهم صف فصول رواياتهم.. اخلق لهم مصائر وأحداثا غير تلك التي تخيلوها، وارسم لهم نهايات لأبطالهم..
ردد مع الشعراء أوجع قصائدهم، ورش بها على جروحك، دعهم يرتبون أنفسهم في طوابير الوجع وأنت فقط تردد لا مبال، وحين يأتي القلم على ما يسطرون فلا تقف عند نهاياتهم مع الملهمات..
رافق النقاد، وصاحب المفكرين، وجدد عهدك يوميا بذاتك..
اجعل الاقتراب من القلم حياة أخرى.. أول ما تكتب به عنونة حياتك، خذ بسطر واملأه: شكرا أن بقيت بلا وجع التكلف، ولا عشق الكراسي، ولا فوبيا الحضور وفرحة الانصراف.. ثم عد سنوات الفرق بينك وبين أولئك الذين انتشروا في اتجاهات الأرض الأربعة، الذين يخلقون لهم اتجاهات موازية، ويبحثون عن عوالمهم المؤجلة من خلال الروتين اليومي الذي يبدأ حين تهبط الشمس، وتنتهي عند بعضهم وقد غابت وهم بين الجدران الأسمنتية لا تلمس أديمهم ولا تتغلغل إلى ذواتهم، فبقوا في عتمة التخصص والانشغال بمهمة واحدة..
لا تلُك عقولهم ما بين دفات الكتب، ولا تشاطر لحظاتهم التوجس من عدم تأثر القراء بما سُكب فوق الورق، ولا يأبهون بما جد في المجتمع.. يحدث ما يحدث ولا ترتفع لهم أصوات، ولا تحرر لهم كلمة واحدة، بينما (العاطل إلا عن القراءة والكتابة) يتعايش مع قضايا المجتمع.. ينافح عنها.. يجعلها همه الأول وقضيته العظمى.. وأولئك (الروتينيون) ساقطون في غيابة جب الانشغال والاشتغال على الذات، لا يمكن أن ينتشلهم إلى أرض الواقع سوى الشعور بتلك الطبقة الكادحة، التي تركض بين أحداث قصص الكاتب العاطل وبين مكاتبهم ودوائرهم المسيجة. إن ركضت باتجاههم فلن تجد إلا الخذلان، وإن عدت إليه وجدت النصر والمؤازرة.. أخيرا وهذا هو الواقع المؤسف، فمهما كنت قارئا وكاتبا عظيما، فستبقى العاطل الذي يعيش على هامش الحياة، وأولئك هم المتن والمتن القوي الذي لا ينتهي إلا بالموت والفناء .