لا يمكن أن نفتح في كل موقف، نفس الصندوق الذي يُستخدم لمرة واحدة فقط، لاستنباط حلول وأفكار جديدة. فحين تتغير ظروف الحياة، علينا أن نغير تفكيرنا لمواكبتها.
لا يمكن أن نفتح في كل موقف، نفس الصندوق الذي يُستخدم لمرة واحدة فقط، لاستنباط حلول وأفكار جديدة. فحين تتغير ظروف الحياة، علينا أن نغير تفكيرنا لمواكبتها، دون أن نتمسك بنفس الصندوق الخشبي المتآكل الذي فقد صلاحيته، ولا يناسب حقبة جديدة.
نشرت هيئة الإحصاء في تقريرها الأخير، أن عدد سكان الرياض، بلغ ثمانية ملايين نسمة، بلغ عدد السعوديين منهم 4.5 ملايين، بينما وصل عدد المقيمين 3.4 ملايين نسمة. في إشارة تستدعي القلق. فأي دولة يرتفع فيها عدد الأجانب، عن عدد السكان الأصليين داخلها، يشير إلى أن هناك خللا ديموجرافيا في خطط كثافة وتوزيع السكان، من شأنه أن يحدث أزمة في المستقبل القريب، إن استمر العدد في النمو دون خطط معالجة تعيد التوازن. حيث تستطيع أي عمالة من جنسية معينة، لها التواجد الأكثر في السوق، خلق أزمات اقتصادية، أقلها التحكم في الأسعار، وأكبرها التحكم في القرار الاقتصادي داخل البلد. ومنذ أن بدأت عمليات التصحيح، وانخفض عدد الوافدين من 15 مليونا إلى 11، والمقاومة في ازدياد.
ومن خلال التجربة الماضية، رصدنا أربع فئات تقريباً من العمالة الأجنبية في المملكة، تحمل كل فئة منها نمطا وسلوكا معينا في أماكن العمل لا يخطئه المرء، بل بات من الضروري أن تؤخذ تلك الممارسات بعين الاعتبار، لتحديث الأنظمة القديمة، لتواكب التحديات الجديدة في سلوك العمال.
فالفئة الأولى عمالة (عربية وآسيوية)، من دول ذات كثافة سكانية كبيرة وفقيرة اقتصادياً، تم استغلال فقرهم من قبل بعض الشركات والمؤسسات لرخص الأيدي العاملة في بلدانهم، بصرف رواتب متدنية للغاية وغير إنسانية. فتصدّق عليهم بعض الصغار والكبار، من أجل التقاط صور معهم، في زمن أصبحت فيه الصدقة مُباهاة. فاضطرت تلك الفئة المستضعفة، إلى التسول عند إشارات المرور وفي الشوارع، وحين يبدأ الفقر بنهش عظامهم وشل كل أمل لهم في الحياة، يرتكب بعضهم جرائم، في سبيل الحصول على المال، قبل أن يفتك بهم الفقر. ولم تضع لهم وزارة العمل للأسف أنظمة صارمة تحميهم، أو تحسن من أوضاعهم إلى الآن.
والفئة الثانية، (عمالة عربية وآسيوية)، من دول دمرتها الصراعات السياسية والحروب، يدربهم للأسف بعض المديرين المحليين، الذين وضعهم فساد الواسطة على رأس مناصب قيادية، على فعل أي شيء حتى لو كان غير نزيه، فتم تجنيدهم لتنفيذ المهمات القذرة، التي ترضي غرور تلك النوعية من مديري الواسطة. فتجد الكثير منهم، لا يتوانى عن القيام، بأي مهمة غير قانونية، إرضاء لولي نعمته غير الكفؤ، فتجد أغلبهم يقوم بصفقات السعودة الوهمية، معتقداً أنه يصنع معروفاً للمدير أو صاحب المنشأة.
فحين يرأس الجاهل منصبا مهما، ونضع بيده سُلطة، لن نحصد من ورائه إلا الكوارث. وما يجلب الإحباط حقاً، حين يتعمد (مدير الواسطة)، أن يُعين تلك الفئة من العمالة غير الكفؤة، لترأس عمالا سعوديين أكفأ منهم في الخبرة والتعليم.
والفئة الثالثة، عمالة عربية وآسيوية أيضاً، لكن (بجنسيات أوروبية وأميركية)، استفادوا من التحيز الخليجي للموظف الغربي، وصمت وزارات العمل إزاءه، فاحتال الكثير منهم في سيرهم الذاتية، حتى تم توظيفهم برواتب عالية، وكشفتهم تحديات ومتطلبات العمل المختلفة، فغطوا قصورهم، بعذوبة ألسنة تمجد القرارات الخائبة لبعض أصحاب العمل ويتكتل عدد كبير منهم، على مناصب التوظيف والموارد البشرية بعد عمليات التصحيح، تحولت مهمتهم لإشاعة وتلفيق التهم، ضد أي موظف سعودي ليتم الاستغناء عنه.
الفئة الرابعة، عمالة (أوروبية وأميركية)، يوظفون كمستشارين، وهم ليس كذلك، حيث يحصلون على جميع الميزات التي لا يحلمون بالحصول عليها في بلدهم الأم، الكفيلة بجعلهم يتمسكون بالوظيفة، حتى لو كانت في قيظ الربع الخالي. الغريب أن أغلبهم مشاة بحرية سابقون، أو ممن خدموا في حرب الخليج، اعتاد عدد كبير منهم ممارسة الفهلوة، فبعد أن يتدربوا على أيدي موظفين سعوديين، ويقدمون لهم جميع آليات العمل، يسرقون أفكارهم وأعمالهم، ويقدمونها بورق ملون، لبعض المديرين الفاسدين، فيُمكنوهم من مناصب حساسة، لوضع إستراتيجيات المنشأة، وإرساء قوانين خاصة يضمنون بها استحواذهم على المناصب العليا والمهمة والأعلى أجرا. فيتحزبون في عدة شركات كبيرة، أصبحنا نعرفها ونراها بوضوح أكثر من أي وقت مضى.
العامل أو الموظف السعودي إنسان له كرامة ومبدأ لا يقبل الإهانة، يبدع في عمله متى ما توفرت له بيئة صحية في التعامل، يغار على بلده، ويحمل له حباً وطموحات كبيرة. لا يقبل الاستغلال أو الابتزاز من قبل صاحب العمل، لذا ينبغي أن تتغير أنظمة التوطين، لتخرج من نطاق ذلك الصندوق الخشبي المتآكل، وترتقي لأهداف وطموحات الكفاءات البشرية في الوطن، لتكسب ولاء واحترام العامل السعودي.
وضعت الأمم المتحدة 17 هدفا للتنمية المستدامة، اعتمدها قادة العالم، جاء في المركز الأول القضاء على الفقر، وثانياً القضاء التام على الجوع. ولكن ما حدث في الآونه الأخيرة، كان فيه استغلال للمرحلة الانتقالية الحالية في المملكة، لفصل وطرد العاملين من أبناء الوطن، وهذا بالطبع لن يخدم مساعي الدولة في القضاء على الفقر بل سيزيده، ولكن صمت وزارة العمل أمام كل تلك الفوضى كان هو الأمر الأكثر إحباطاً.