أنا متطرف جداً ضد التصريحات، ما لم يكن التصريح وعداً أو احتفاء بإنجاز، أما أن يظهر المسؤول كي يخبرني بالمشاكل والمعضلات التي تواجهه، فهذا لا شأن لي –كمواطن– به

أكتب هذا المقال في الوقت الذي يتداول الناس فيه عدة تصريحات للوزراء، ويعلقون عليها بين مُحبط وساخر وحزين ومصدوم، أما أنا فأكتفي بالاستمتاع بردّة أفعال الناس بعدما عوّدت نفسي للوصول لأعلى درجات اللامبالاة، وليس ذلك لغرض محاولة تعالي المواطن على الوزراء، وإن كانت فكرة التعالي هذه مدهشة ولذيذة! فمثلا أحد الوزراء الكرام صرّح قبل أيام أن وزارته ما زالت تحظى بثقة المواطن، ولو كنت حاضراً ذلك المؤتمر لقاطعت معاليه قائلاً: مصدرك يا معالي الوزير؟
أنا متطرف جداً ضد التصريحات، ما لم يكن التصريح وعداً أو احتفاء بإنجاز، أما أن يظهر المسؤول كي يخبرني بالمشاكل والمعضلات التي تواجهه فهذا لا شأن لي – كمواطن – به، أنت كُلفت أو عُينت لحل هذه المشاكل أصلاً، فظهورك كي تخبرني أنك تواجه مشاكل مُحبط لي جداً ويزعزع ثقتي بك، فإن كنت لا تعلم أنك ستواجه مشاكل وعليك إيجاد حلول لها وتفاجأت بها فتلك مصيبة، وإن كنت عاجزاً عن حلها وتريد رميها على المواطن فالمصيبة أعظم، وفي كلتا الحالتين (كأنك يابو معالي ما غزيت)، وهذا لا يعني بحال من الأحوال مقاطعة الإعلام، لكن ليكن الإعلام متحدثاً عن عملك وإنجازك، أعط الإعلام إنجازك كمادة للنشر، ولا تعطهِ أقوالك، اعلم أنني الآن أبدو كواعظٍ جاد، لكن – كما أسلفنا- لا مانع أحياناً أن يجرب المواطن التعالي على المسؤول، فكما أن وعظنا للمسؤول لن يضيف له شيئاً، لأنه ببساطة لن يسمعنا، لكن عليه أن (يوسع خاطره) ويدرك أيضاً أن التصريحات وحدها لن تبني لي بيتاً، ولن توجد لي سريراً شاغراً، أو تنقل تعلمينا من التلقين إلى طُرق التفكير، أو تطوّر (الدروب) التي نسميها - مجازاً - طرقا، ويبقى الإنجاز الوحيد الذي أعترف به للمسؤولين هو قدرتهم على إخراجي من طور (اللامبالاة) المريح الآمن،ورميي هكذا في ميادين الجدّية عارياً إلا من أبجديةٍ ترى أن هنالك لحظة بين التحليق والسكون، هي الأكثر فتنة وإغراء، وهي لحظة الرفرفة، أخالها هي اللحظة الأهم في الحياة (أن تثق بأنك قادر)، أما التحليق فمرحلة لاحقة ستكون أسهل وأكثر حلماً ورحابة، لا تصف لي شكل السمكة التي ستعود بها من البحر وطعمها، ولا تقصص علي أحلامك بحجم اللؤلوة التي ستجدها بأحشائها، ولا تقف على الشاطئ كي تقصص علي الأخطار التي تواجه من ركب البحر، إذهب بصمت يا صديقي أو ارم سنارتك واجلس بجانبي لنتناقش عن الليبرالية والصحوة والسينما، أعلم، ها أنا أعود للغة الوعظ مجددا، لكن إذا أردت أن أفهمك وأتفهمك فلا توحي لي أن هناك أشياء تقف بطريقك لا يمكن لي فهمها، لن أطلب منك أن تفهمني إياها، لأنها ببساطة لا تهمني، أنا فقط أريد أن أرى شيئاً.. أرجوك لا تقل لي: اسمع طيب!