تسترعي الزيارة المفاجئة من الجبير لبغداد الانتباه، خصوصا أنها تأتي بعد نحو 13 عاما من احتلال أميركا للعراق، وحتى الآن لم يزر أي مسؤول سعودي كبير العراق رسميا

في مطلع الأسبوع الجاري، قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة مفاجئة إلى بغداد، قال عنها الجانب العراقي إن الجبير أبلغهم باختيار سفير سعودي جديد في بغداد، وقد مثّل ذلك مفاجأة مربكة لإيران ظهرَت جليَّة في الإعلام الإيراني، إذ أثارت زيارة الجبير اهتمام عديد من الصحف والمواقع الإيرانية، فنقل بعضها تصريحات على لسان الوزير، وحلل بعضها أهم أهداف الزيارة، فأفاد موقع «أخرين خبر» بأن الجبير صرّح خلال لقاء رئيس الوزراء العراقي بأن «حيادية بغداد يمكن أن توفر أساسا للمصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية». وقد أعلن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أنه كلّف وكيل وزارة الخارجية العراقية بزيارة السعودية قريبا لمتابعة المسائل الفنية الخاصة بتفعيل المباحثات بين بغداد والرياض، مشيرا إلى أن العراق متمسك بالعلاقات مع دول الجوار كافة.
وتساءلت «خراسان» الإيرانية: «ما الهدف من زيارة الجبير للعراق؟»، وذكرت أن الزيارة جاءت لرغبة الرياض في تحسين علاقتها مع بغداد. كذلك سألت صحيفة «جوان»: «عمَّ يبحث الجبير في بغداد؟»، واصفة الزيارة بأنها إشارة إلى تراجع السعودية عن سياسات القوة التي كانت تنتهجها. أما «سياست روز» المحافظة، فقد عكست مدى قلق النظام الإيراني من هذه الزيارة، من خلال وصف زيارة الجبير بأنها دعم علني للإرهاب ودعم للبعثيين والسنة وبعض الأكراد لخلق زعزعة في العراق.
موقف الجانب الإيراني من الزيارة يعيد إلى الأذهان قرار المملكة العربية السعودية إعادة فتح سفارتها في العراق قبل أكثر من عام، إيمانا بأن العراق دولة عربية عروبية ينبغي أن تعود إلى الحضن العربي، حيث الترابط العرقي واللغوي والجغرافي والثقافي والحضاري، هذا القرار الذي أربك الجانب الإيراني الذي يعمل منذ 2003 على إبعاد هذه البلاد عن عمقها العربي، وكانت تحركات السفير ثامر السبهان في الداخل العراقي ومحاولة بناء جسور مع بعض رموز المجتمع العراقي، شيعة وسنة، عربا وأكرادا، خطوة مزعجة أخرى لطهران، فحاولت استهدافه عبر الميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق. ويدرك المجتمع العراقي أن التاريخ والجغرافيا يحتّمان عليه، طال الأمد أو قصر، أن يعود إلى جذوره وامتداده العرقي والثقافي، وتعمل الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، على ترميم الجسور وتوطيد الأواصر مع العراق وطنا وشعبا.
على الجانب الآخر، تسعى طهران دائما لخلق خلاف بين العراق ومحيطها العربي، لا سيما أن العراق هي البوابة العربية الشرقية، وكانت لحقب زمنية طويلة حاجزا في وجه الأطماع الإيرانية ومشاريعها التوسعية. وبلا شك تسترعي هذه الزيارة المفاجئة من الجبير لبغداد الانتباه، خصوصا أنها تأتي بعد نحو 13 عاما من احتلال أميركا العراق، وحتى الآن لم يزُر أي مسؤول سعودي كبير العراق رسميا.
وبالعودة إلى التوجس الإيراني من هذه الخطوة السعودية، تخشى طهران مما تناقلته بعض وسائل الإعلام الغربية وعلى رأسها صحيفة «وول ستريتجورنال» التي تحدثت عن أن هناك تنسيقا أميركيا - خليجيا لإيجاد منظومة مثل الناتو أمام السلوك العدائي لإيران في المنطقة. علاوة على ذلك تخشى طهران أيضا، وفي ظل ارتفاع نبرة الاتهامات المتبادلة مع أنقرة، من تقارب سعودي - تركي -أميركي قد يصحح أخطاء الإدارة الأميركية السابقة، وبالتالي ستكون العراق إلى جانب سورية من أهم الملفات الإستراتيجية لمعالجتها وتقليص النفوذ الإيراني فيها. لكن قد يعتمد ذلك بشكل كبير على مدى استعداد الحكومة العراقية والمكونات السياسية هناك للتفكير خارج الصندوق الإيراني، والاهتمام بمصالح العراق في المقام الأول، بعيدا عن الانتماء الحزبي أو الطائفي.