هل يعلم فخامة الرئيس أن التناقض الذي يعيش فيه ويلازمه منذ 2005 لا يمكن غفرانه أكثر، وأن عليه أن يختار بين المؤسسات الدستورية، وبين السلاح الخارج عن النظام والدولة والمؤسسات

أجمع اللبنانيون على انتخاب ميشال عون رئيسا، وكانت التسوية تقضي بإعطائه فرصة لنقل لبنان من حالة الركود السياسي والاقتصادي إلى حالة جديدة من الازدهار الاقتصادي والسياسي والأمني، فقدمنا الدعم المناسب لهذه المرحلة، وكلنا أمل بغد أفضل يعيد للمؤسسات الدستورية اللبنانية سيادتها وقرارها، وتعود المؤسسة العسكرية إلى دورها الأساسي في حماية جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء، ويكون سلاح الجيش اللبناني هو السلاح الشرعي الوحيد في لبنان ليتم بعدها سحب سلاح حزب الله والميليشيات كسرايا المقاومة.
إن التصريح الذي أطلقه ميشال عون في لقاء مع إحدى الصحف المصرية أخيرا لم يكن حكيما، واعتبره كثير من اللبنانيين تطاولا وإهانة للمؤسسة العسكرية، حيث قال: طالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة إسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح، لأنه مكمل لعمل الجيش، ولا يتعارض معه، بدليل عدم وجود مقاومة مسلحة في الحياة الداخلية. فهل يعلم رئيس الجمهورية معنى كلامه الذي يهين المؤسسة العسكرية قيادة وأفرادا؟.
وهل يعلم فخامة الرئيس أن التناقض الذي يعيش فيه ويلازمه منذ 2005 لا يمكن غفرانه أكثر، وأن عليه أن يختار بين المؤسسات الدستورية، وبين السلاح الخارج عن النظام والدولة والمؤسسات، وأنه لا يمكن القبول ببقاء قطعة سلاح واحدة بيد حزب الله، بحجة الدفاع عن لبنان أو الجنوب، فهل يقبل فخامته أن يتم تسليح عكار والبقاع المجاور لسورية لحماية أهلها من اعتداءات الجيش النظامي السوري على أهلنا منذ سنوات؟ لماذا يحق لحزب الله التسلح لحماية مناطقه، ولا يحق لأهالي عكار والمناطق الحدودية مع العدو السوري التسلح أيضا؟ ما الفرق بين العدو الإسرائيلي والعدو النظام السوري؟
هل نسي فخامة الرئيس تصريحاته التي أدلى بها ضد حزب الله؟ إذا نسي فنحن سنذكره جيدا: ففي حديث إلى صحيفة اللواء في 17 سبتمبر 2004، دعا عون حزب الله إلى الكف عن المزايدات والتجارة ليبقى في الضاحية، مؤكدا أن الأميركيين جادون في تنفيذ القرار 1559. واعتبر أن حزب الله لديه خطان، ويقول إنه مقاومة ضد إسرائيل ويريد أن يحرر القدس وهذا قرار أحادي اتخذه مع سورية ومع الآخرين، فسلاحه في لبنان ليس له قيمة… فإذا كان حزب الله يريد أن يحرر القدس فأنا ميشال عون أقول له إنني سوف أفتح لك طريق إسرائيل، تفضل وحرر، أما أن يحمل السلاح لكي يبقى في الضاحية الجنوبية، فهذا انتهى، فنحن لا نريد أن يكون السلاح وسيلة ضغط.
أما بتاريخ 18 سبتمبر 2003، وأمام اللجنة الفرعية للعلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي، فأكد عون ما يلي: إنه لأمر معقول جدا أن يترك النظام السوري وراءه في لبنان بعد انسحابه منه، عددا من أدواته للإرهاب والتدمير، وأيضا عددا من أدواته العسكرية والمخابراتية، بناء عليه، إنه أمر إلزامي وملح، أن يترافق الانسحاب السوري مع تجريد كامل من السلاح لكل العناصر المسلحة… فالقوات المسلحة اللبنانية الشرعية بإمكانها فقط أن تؤتمن على توفير الأمن للمواطنين اللبنانيين، لا يمكننا بعقلانية ومنطق، الفصل بين النظام السوري والإرهاب. فسورية تؤمن الملاذ لعدد كبير من المنظمات الإرهابية، وهي توجه أعمالها، وتستعمل لبنان كموقع أساسي لتدريبهم ولعملياتهم.
والأهم ردا على كلام فخامة الرئيس عون يأتي منه شخصيا، فقد قال في مقابلة لبرنامج بالعربي، مع الإعلامية جيزيل خوري في 23 يناير 2005، إن لا أحد له حقوق في لبنان غير اللبنانيين من خلال دولتهم، وأضاف: عندما يعود حزب الله شريحة سياسية من الشعب اللبناني يؤمن الحماية لنفسه، أما إذا بقي مسلحا فلن يستطيع تأمين الحماية لنفسه ولا للشعب اللبناني وقد يكون أيضا الشعب اللبناني وحزب الله معرضين للخطر.
وسأل عون حزب الله خلال مقابلة مع الكفاح العربي في 4 يوليو 2005، في أي موقع يضع نفسه كحزب عقائدي سياسي، في خانة الصراع الإسلامي اليهودي أم في خانة الصراع العربي الإسرائيلي. وفي كلتا الحالتين يفترض أن يدرك أن وسائل المواجهة تغيرت، والبندقية هي آخر أساليب الصراع، والمرحلة التي نعيشها مرحلة مقاومة إنمائية اقتصادية ثقافية حضارية لا مقاومة عسكرية، وكل شيء يدل على أن عشرات المليارات التي أنفقها العرب تحت شعار الصراع مع إسرائيل لم تغير شيئا على أرض الواقع. طبيعة الصراع إذاً تبدلت، والمواجهة الجديدة حضارية، وحزب الله يفترض أن يدرك هذه الحقيقة، وأن يعدل مساره في هذا الاتجاه، وأن ينسجم مع المناخ الدولي الجديد من دون أن يتخلى عن ثوابته وتوجهاته العقائدية أو الدينية.
وإذا كان الجنرال عون قد نسي ما قاله فهل نسي أيضا ما كتبه بيده في صحيفة لوموند الفرنسية، والذي نشرته صحيفة النهار بتاريخ 25 أبريل 1996 حيث قال فيه: إن الجميع يعلم أن سورية تقدم السلاح والذخيرة إلى حزب الله.