استخدام الشتائم في عالم السياسة تعبير عن الدبلوماسية الوقحة التي هي مظهر رئيس من مظاهر الإفلاس السياسي المدعوم بعنجهية حق القوة وليس قوة الحق

تُعنى الدبلوماسية بتعزيز العلاقات بين الدول وتطويرها في المجالات المختلفة. وتعددت تسميات وصفات الدبلوماسيات التي استخدمت لحل النزاعات والخلافات، وعلى نحو خاص بين الدول الكبرى، فعرفت دبلوماسية البارجة المسلحة Gunboat Diplomacy، ودبلوماسية الدولار، حيث سخرت الدول الكبرى نفوذها السياسي والعسكري لدعم المصالح الخاصة للأفراد والشركات، وكذلك استخدام الأموال والقروض لشراء النفوذ السياسي والتسهيلات الاقتصادية في بلدان العالم الثالث.
وعرفت دبلوماسية القمة في فترة الحرب الباردة، ودبلوماسية الخطوة خطوة، أو دبلوماسية المكوك في الشرق الأوسط، فضلا عما سمي: الدبلوماسية الخلّاقة، والدبلوماسية الشعبية، والدبلوماسية الثقافية.
وفي غالب الأحيان اقتصر الهجاء السياسي على استخدام أسلوب الانتقاد والإعراب عن الاستياء والقلق والإدانة بأشد العبارات، وشخص غير مرغوب فيه. وتم التمسك بفكرة الحرمة الدبلوماسية، وبمبدأ لاتيني يقول: يجب ألا يتعرض السفير للضرب أو الإهانة.
لكن حفِل تاريخ الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي بأشكال من التشنج والتطرف والأعمال والسلوكيات الغريبة لرجال السياسة ودبلوماسييها من وزراء خارجية وسفراء، والتي ترافقت بانحدار لغة السياسة والخطاب الدبلوماسي إلى درك الانحطاط الأخلاقي، عبر استخدام الشتائم السياسية.
ومؤخرا، وفي سياق ترجمة إستراتيجية أميركا أولا على الساحة الدولية، وفي اتجاه معاكس لفرصة طمأنة الحلفاء، وتدشين بداية مقاربات مشتركة حيال تحديات دولية، أمسك الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترمب بهاتف البيت الأبيض، وفي أقل من أسبوعين، ترددت على أسماع العالم أنباء إهاناته، غير الضرورية، لبعض حلفاء الولايات المتحدة.
وجعل ترمب من المكسيك، الجارة الجنوبية، وثالث أكبر شريك تجاري مع بلاده، الهدف الأول لحملته الهجومية.
وفيما حاول دبلوماسيون ومختصون في السياسة الخارجية الإيحاء بأن تلك الأقوال كانت أشبه بمزاح، وردت أنباء قطع ترمب لمكالمة هاتفية أجراها مع رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول.
فقد غضب ترمب عندما ذكّره تورنبول بوجوب الإيفاء بتعهد قطعه الرئيس السابق أوباما باستقبال لاجئين احتجزتهم أستراليا عند شواطئها.
ونتيجة لماجرى بينهما، قال تورنبول: تلك كانت أسوأ مكالمة هاتفية أجريتها مع زعيم لدولة أجنبية.
ولم يصدر عن البيت الأبيض، في اليوم التالي، أي اعتذار أو محاولة لإصلاح الجسور مع حليف مهم. وعوضا عن الشعور بالحرج، قال ترمب لصحفيين: عندما تسمعون عن مكالمات حادة، لا تقلقوا بشأنها. لقد كانوا حادين، ويجب أن نعاملهم بالمثل. لن تستغلنا بعد اليوم أية دولة في العالم.
ويعيد أسلوب ترمب إلى الأذهان تاريخ الشتائم السياسية في العالم. فقد استخدم نابليون بونابرت عبارات غير لائقة في وصف الإنجليز، بأنهم أمة أصحاب دكاكين. وحصل ونستون تشرشل، أشهر رئيس وزراء بريطاني على تقييم عال خلال استطلاع خاص، بأنه صاحب أذكى شتيمة في التاريخ المعاصر.
واستخدم تشرشل عبارات قاسية من الشتيمة ضد النائبة السابقه بيسي برادوك، عندما وصفته بـالثمل، فقال لها: أنت قبيحة بل أكثر. قبيحة إلى درجة مقرفة.
وقد نال الرئيس الأميركي الشهير أبراهام لنكولن مزيدا من الشتائم في القرن التاسع عشر بوصفه المحتال - الشيطان - المهرج - لص الليل - الكاذب - الوحش - الطاغية.
وتلقى الرئيس أوباما مزيدا من الشتائم الحادة، أشدها من الرئيس الفلبيني دوتيري في وصفه بـابن العاهرة، وكذلك شتائم تلقاها من مختلف الجهات السياسية المناوئة منها: النمر الأسود؛ الكيني المغفل؛ والمسلم المتخفي.
ولم يكن الرئيس الفلبيني رودريجود وتيرتي أول رئيس يطلق الشتائم ضد الرئيس السابق أوباما الذي لم يكن بدوره أول رئيس يتلقى شتائم بذيئة، فالسباب واللغة المتدنية وغير اللائقة يستخدمها الساسة ورؤساء الدول والشخصيات العامة في العالم كله.
وقال الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عن الإنجليز: الشيء الوحيد الذي فعله الإنجليز لأوروبا هو مرض جنون البقر.
بينما كتب بوريس جونسون قصيدة تهكم ضد رئيس تركيا إردوغان تعدّ من نوع اللغة المتدنية في عالم الإهانات، وكانت كتابة القصيدة قبل أن يكون وزير خارجية بريطانيا، ونشرت في لقاء مع مجلة سويسرية ضمن مسابقة فاز فيها بـ1000 جنيه كجائزة، وتعدّ من أقبح الشتائم السياسية، وتدور أحداثها حول قيام إردوغان بممارسة الجنس مع عنزة.
لقد قال الكاتب والروائي الإسباني ماتيو أليمان (1547 ـ 1615)، إن أفضل علاج ضد الشتائم هو احتقارها، وهو ما كتب في أول صفحة من كتاب المنجد الصغير للشتائم السياسية الذي صدر في فرنسا عام 2011، وجمع فيه مؤلفه أبرز ما قيل من انتقادات حادة تصل حد السب في شخصيات سياسية فرنسية تاريخية ومعاصرة، بوّبها حسب الترتيب الأبجدي.
ومن بين هذه الشخصيات مثلا الرؤساء: شارل ديجول وجورج بومبيدو وجيسكار ديستان وفرانسوا هولاند، ورؤساء الوزراء: فرانسوا فيون وفرانسوا بالادير وليونيل جوسبان وبيار موروا ودومينيك دوفيلبان، ووزراء الخارجية: لوران فابيوس وبرنار كوشنار ورولان دوما، والوزراء: جان بيار شيف نمان ووزراء سابقون مثل وزير الداخلية شارل باسكوا وغيرهم.
عموما، يعد استخدام الشتائم في عالم السياسة تعبيرا عن الدبلوماسية الوقحة التي هي مظهر رئيس من مظاهر الإفلاس السياسي المدعوم بعنجهية حق القوة وليس قوة الحق.