في حين يفقد تنظيم داعش أرضيته في الشرق الأوسط، نزح عشرات الآلاف من مقاتليه إلى أماكن أخرى أو عادوا إلى بلدانهم للتخطيط لهجمات إرهابية. وقد أثار هذا الوضع المخاوف، ليس فقط في المنطقة، بل في أوروبا والولايات المتحدة، مما يساعد في تبرير الحظر الذي فرضه الرئيس ترمب على المهاجرين من العراق وسورية، وخمس دول أخرى أغلب سكانها من المسلمين.
ربما لا توجد دولة أجرت مناقشات بشأن تدفق الجهاديين إليها أكثر من تونس. ذلك لأن هذا البلد الشمال إفريقي الذي يبلغ عدد سكانه 11 مليون نسمة كان واحدا من أكبر مصادر المقاتلين الأجانب - يصل عددهم إلى 9000 مقاتل – لتنظيم داعش. وفي الواقع أن تونس هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة التي خرجت بحُكم ديمقراطي من ثورات الربيع العربي عام 2011، وأجرت مناقشات شاملة وهادئة نسبيا حول تدفق اللاجئين، واعتمدت دستورا يمكن أن يكون نموذجا يحتذى به في الولايات المتحدة.
بعد أن شهدت تونس هجمات إرهابية على أراضيها، اضطرت إلى تعلُّم فن التسوية السياسية. فمنذ أن أطاحت برئيسها الدكتاتور زين العابدين بن علي في 2011، اعتمدت دستورا موثوقا وعقدت انتخابات حرة ونزيهة. ويتمتع مجتمع تونس المدني بالقوة، بحيث إن عددا منه حاز على جائزة نوبل للسلام. وأخيرا أعلن الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، حزب النهضة، النأي بنفسه عن جذوره لتحقيق ديمقراطية الإسلام.
ولقد أنفقت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ملايين الدولارات في تونس لضمان استقرارها والحفاظ عليها باعتبارها نموذجا للدول العربية الأخرى.
اختلف التونسيون حول مصير المقاتلين العائدين، إما بوضعهم في سجن المقاتلين الجهاديين العائدين أو محاولة إعادة تأهيلهم. وتزعم الحكومة أن لديها معلومات عن معظم المقاتلين، تسمح لأسرهم ومجتمعاتهم المحلية بالسيطرة عليهم. وقد عاد نحو 800 مقاتل حتى الآن، وحوكم العديد منهم في حين يجري مزيد من التحري عن الآخرين.
في أوائل يناير المنصرم كشف احتجاج أن العديد من التونسيين يريدون حرمان العائدين من دخول البلاد، لكن الحكومة تقول إنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بموجب الدستور. ويخشى المحتجون من أن يتسبب المقاتلون في تحويل تونس إلى دولة ينعدم فيها القانون مثل ليبيا المجاورة.
ومع أن الحوار الوطني لم ينته بعد، إلا أن أزمة تدفق اللاجئين ساعدت على تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية. ولقد كانت نسبة البطالة المرتفعة بين الشباب الدافع الرئيسي لانضمامهم إلى تنظيم داعش. بعد الثورة، كانت هناك توقعات كبيرة لتحقيق الازدهار، وعلى الرغم من الصعوبات، أظهرت استطلاعات التونسيين أنهم يفضلون الديمقراطية والحوار الوطني.
وكتبت سمية الغنوشي في موقعها الإخباري على الإنترنت عين على الشرق الأوسط تقول: يسعى التونسيون جادين لحل خلافاتهم السياسية بشكل سلمي من خلال الحلول الوسطى، بعيدا عن العنف والإقصاء.
بعد أن حصل التونسيون على حريتهم كانوا حذرين من أن تمزَّق بلادهم بسبب قضايا ساخنة. وهذا الحذر يُعد درسا آخر من هذا البلد العربي الصغير، يستحق أن تستمع إليه الولايات المتحدة وبلدان أخرى تواجه تهديدات من مقاتلي داعش.