مع اعتقاد بعضنا أن دخول قافلة الأمل إلى قطاع غزة دون مقاومة مسلحة موجهة من هذا الكيان الوحشي، يعد نصرا للسياسة العربية، إلا أن الحقيقة تؤكد أنها خطوة تصب في صالح الكيان الصهيوني

خلال الأيام الماضية نظرت إلى خبر وصول (قافلة الأمل) الليبية التابعة لمؤسسة القذافي الخيرية، إلى قطاع غزة، فاعتبرت ذلك نصرا للقضية الفلسطينية وللمطالبات العالمية بفك الحصار عنها، إلا أنه ومن ناحية أخرى كان فشلا ذريعا للسياسة العربية، ومع أن الأمر يخص دولة عربية علينا أن نحترم خياراتها، إلا أن ذلك لا يمنعنا من لومها وتوجيه العتاب لها، فهذه القافلة لم تصل إلى القطاع المحاصر، إلا بعفو رئاسي عن جاسوس صهيوني رفائيل حداد الذي استقبل استقبال الأبطال في العاصمة النمساوية من قبل ليبرمان وزير خارجية الكيان الصهيوني، إثر العفو الذي ناله من السلطات الليبية، والذي حضر خصيصا إلى النمسا لاستقباله والعودة في معيته لفلسطين المحتلة.
وقد أكد مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم أن الوسيط قي قضية الجاسوس الإسرائيلي، كان رجل أعمال يهوديا نمساويا تربطه علاقة بـسيف الإسلام معمر القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، ورئيس جمعية القذافي الخيرية، وذلك بعد أن اشترطت ليبيا الحصول على تسهيلات لدخول القطاع مقابل الإفراج عن الجاسوس، في حين قالت صحيفة هآرتس إن حداد الذي تم الإفراج عنه.. ناشط في جمعية تسعى إلى حفظ تراث الجالية اليهودية في ليبيا، وكانت السلطات الليبية اعتقلته أثناء تصويره مباني كانت مملوكة في السابق إلى الجالية اليهودية في ليبيا، كما ذكرت أن ليبرمان لجأ لاستخدام وساطات خاصة قريبة من النظام الليبي في وسط وشرق أوروبا من بينهم رجل الأعمال النمساوي مارتن شالف الذي يرتبط بعلاقة صداقة مع سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي، على حد قول الصحيفة.
هذه التحركات تعد كما أفهم بمثابة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وخروجا عن الإجماع العربي، فمع اعتقاد بعضنا أن دخول القافلة إلى قطاع غزة دون مقاومة مسلحة موجهة من هذا الكيان الوحشي، يعد نصرا للسياسة العربية، إلا أن الحقيقة تؤكد أنها خطوة تصب في مصلحة الكيان الصهيوني، الذي تمكن من إجلاس قادة ليبيا والتفاوض معهم، وهو ما يعد في العرف السياسي اعترافا رسميا بالكيان الصهيوني.
لقد كان من الممكن أن تقوم مصر أو الأردن بهذه المفاوضات، على اعتبار أن لهما ظروفا خاصة انتهت بتوقيع اتفاقيات صلح مع هذا الكيان، أما أن تكون كافة الأطراف المفاوضة للوفد الليبي من اليهود الموالين للفكر الصهيوني، فهذا أمر لا أفهمه من قادة ليبيا ومن مؤسسة القذافي الخيرية التي أعتقد أنها أرادت الخير للقطاع، كما أرادت نصرا لبلادها، فحققت نصرا مموها محفوفا بالأشواك، انتهى بمديح ليبرمان الذي قال: (الليبيون تصرفوا بطريقة مسؤولة. لا يسعني أن أعطي تفاصيل لكن مطالبهم كانت معقولة جدا ومنطقية) ولذا نجد أن العالم العربي لم يصفق لوصول هذه القافلة ولم يهلل.
المشكلة التي أتعايش معها أن ـ بعض ـ شبابنا لا يهتم كثيرا بما يجري حوله، فهذه القضايا تكاد تكون مغيبة عنه ومغيبا عنها، وإن كان ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى أن الشباب يقفون عندها ويتابعونها ويحاولون تفهم أبعادها وحيثياتها، وهؤلاء أيضا منقسمون فمنهم من يرى الاندفاع هو الحل، الذي قد يكون متهورا وخيم العواقب، ومنهم من يرى المهادنة هي الحل الذي قد يصل بنا إلى سبات عميق، ومنهم من يرى أن الحل لا يأتي بين ليلة وضحاها وما ورثوه من خزي يتطلب عقودا لرفعه ومحو آثاره.
أما أنا فأرى أنه لا حل قابلاً للتطبيق وقابلاً للحياة، ويحقق العدالة الإنسانية في القضية الفلسطينية كتطبيق بنود (المبادرة العربية السلام) بكل بنودها، المبادرة التي رفضها ليبرمان وسخر من بنودها الداعية لقيام دولة فلسطينية بحدود 1967، بجانبها دولة صهيون، معللا رفضه للمبادرة بقوله إنها وصفة لتدمير إسرائيل! هذا هو ليبرمان الذي امتدح مطالبات قادة ليبيا جراء العفو عن جاسوس صهيوني!. وهكذا أصبحت قافلة الأمل بلا أمل.
إن هذه المبادرة إذا طبقت سيحصل الكيان الصهيوني على الاعتراف من دول تحيطه إحاطة السوار حول رسغ سيدة عجوز لا ملامح لها، عجوز لا تقوى على الحراك دون مساعدة، سيدة يرى بعضهم أن موتها رحمة، إن المبادرة العربية للسلام هي النهاية الفضلى لها ولأصدقاء تململوا من خدمتها ومن نحيبها ومن شكواها المتكررة، عجوز لم تعد ترى ولم تعد تسمع ولم تعد تتذوق، بل ولم تعد تقوى على إجراء حديث واضح ومفهوم، فنبراتها متهالكة وأفكارها مشوشة، عجوز لا تقدر المسافات ولا الأبعاد، وبالتالي فخطواتها مترنحة ومرتجلة، عجوز تعتقد أن صراخها وعويلها بمثابة خط الدفاع الأخير لها، وبالتالي فهي تمتهن إزعاج من حولها ومن أجبر على ولائها من خلال سياسات رجال لا بعد نظر لديهم.
آمل أن تدرس هذه القضية كما هي لا كما يريد بعضهم، فالوضع اليوم لمصلحتنا، فالعالم بدأ يصحو من غفوته، والحلفاء بدؤوا يتباعدون من حولهم، والشعوب بدأت تصرخ ضد ظلمهم واستبدادهم، بل حتى الصهاينة العقلاء منهم يريدون إنهاء القضية وإعطاء الفلسطينيين حقهم في الحياة على أرضهم وداخل دولتهم المستقلة.