كنت حصلت على كتاب الدكتور والروائي فارس الهمزاني سعودي، والذي وجدته على رف مكتبتي المفضلة في جدة فقررت شراءه ووضعه في مكتبتي حتى أنهي دراستي وأجد وقتا للقراءة في غير تخصصي، لكن الصفحة الأولى منه أوقعتني في فخه تماما حتى أنهيته.
يقول فارس عن الكتاب إنه سيرة مبتعث مع الاغتراب والتغيير. وفي داخل الكتاب تجد يوميات لطالب سعودي ومواقف غالبها مضحك يقصها ثم يختمها بتعليق غالبا طريف، لذا أقترح على قارئ الكتاب ألا يقرأه في مكان عام، لأنه سيكون مجبرا على تفسير تفاعلاته مع ما يرد في الكتاب خاصة الضحك.
يلقب الكاتب بعض الشخصيات من أبطال هذه المواقف أو شخوصها الأساسيين بألقاب أسهمت في تحويلهم في الذهن إلى كاريكاتير مضحك، وأظن أن هذا أسلوب ناجح من المؤلف لنزع الصورة المفخمة التي ينشدونها، خاصة وهم يتقمصون دور المصلح الاجتماعي أو الأبوي أو الحارس لجودة بقاء التعليب الذي مورس على الشباب في بداية نشأتهم ويخشى هؤلاء من كسر المبتعثين للقالب الذي وضعوا فيه ويخرجون من المحاضن نحو عالم التجريب والمعرفة حتى تنصقل شخصياتهم عن بينة ومعرفة لا عن سيطرة.
أهم شخصيات الكتاب هو الدب الأمعط، ولا أظن أن هناك مبتعثا أو مبتعثة لم يمر بهذا الكركتر من البشر، والذي يستخدم منبر الدين للنيل من أعراض زملائه، ويسلط لسانه على زميلاته المبتعثات، وهو غالبا ليس متدينا ولا علاقة له بالدين، بل على العكس تماما من ذلك، كما تثبت ذلك اليوميات.
ينوه فارس إلى كون الطالبات السعوديات أكثر اجتهادا والتزاما من الطلاب السعوديين في الغالب، وأذكر أن عميد جامعة أدنبره قد ذكر ذلك، ولا أعرف عدد المرات التي سمعتها من أساتذة هنا في بريطانيا، وربما مرجع ذلك لأن المرأة السعودية تواجه التحدي كل يوم في حياتها في السعودية ثم يأتي الابتعاث ويصبح مجرد عقبة صغيرة تقفز فوقها باجتهاد أحيانا أكثر مما تستحق.
في الكتاب يذكر فارس كمبتعث أهمية ما ذكرته في عدة مقالات حول الابتعاث، وهو البعد عن الجيتو السعودي والتواصل مع الناس والمؤسسات لتعميق التجربة، والاستفادة من الإقامة في بلد البعثة، ثم يذكر أن هناك من المبتعثين من لا يتحدث الإنجليزية، وهذه حقيقة عايشناها جميعا، من أهم أسبابها هو هذا الجيتو.
في الكتاب أيضا تجد صورة السعوديين في نظر الناس في الغرب، ويذكر المؤلف تجربته في تحسين هذه الصورة، والتي نعرف كمبتعثين أن بعض المبتعثين يساعدون الإعلام الغربي على تأكيدها، مثل الإسراف في المظهر، فيبدو في مظهر المبتعث غير مظهر زملائه كأنما ارتداؤه الماركات سيزيد قيمته في الجامعة التي يرتدي حتى مديرها الجينز.
يذكر فارس أيضا علاقة المبتعث بالعرب، والحقيقة أن ما واجهه هو مثل ما نواجهه نحن مبتعثو الفترة الحالية من بعض العرب، خاصة أتباع حزب الله وغيرهم، وهذا يعيدني لأهمية الابتعاد عن العرب في هذه المرحلة للمبتعثين.
في الكتاب الكثير من الحنين إلى الوطن وإلى حائل تحديدا وإلى المساءات التي يحتضنها المشب، وإلى أجا وسلمى، لكن لا شك أن هذا الحنين دفع فارس لتحقيق الماجستير والدكتوراه والعودة مع زوجته الطبيبة لخدمة بلاده وحائل خاصة.