الوطن قصيدة يجيد كتابتها كل شاعر برويّ منوع على وزن الحب، ونحن نقرأ كلامه ونؤمن بحبه؛ حين يدنيه، فنوشك أن نلمسه بأيدينا، ولا أحد يجيد هذا مثل الشعراء حين يستمطرون الصور من غمام الكلمات

البياض الذي يغطي قلوب الناس يطغى على سواد الإرهاب ويمحوه لتعيش الفتاة التي صورت المقطع بالجوال آمنة تنعم كغيرها بميزة الأمن التي يستهدفها الإرهاب. ولنا أسبوع والوطن مشدود لبطولة جبران، والقبلة على رأس جبران اختصر بها أمير الرياض صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر مشاعر المواطنين تجاه الاعتراف بالجميل للبطل جبران عواجي حين طبع قبلة على رأسه، والتفت التفاتة لطيفة لوالده مطالبا إياه بمزيد من الأبطال.. وسأله عن جيزان ...جيزان كنجران قبلها وككل شبر في هذه الأرض ينبت الأبطال الذين كما قيل لم تحظ بطولتهم بعدسات كاميرا جوال تنقلها لنا.
موقف بطولي آخر قبل شهور في فقيد نجراني من آل قفلة يدهش من يراه أثناء تعزية والد وأسرة الشهيد، وقف الأب يهون الأمر ويستبشر بالشهادة وكأن الأمر مولد وليس وفاة، وفرح وليس ترحا، وأغرب ما في الأمر أن الوالد بدأ بتهوين الأمر على الأمير وتعزيته وتذكيره بأن هذه سنة الحياة، كما استبشر بقدومه ورحب به واحتفى ببسالة الأحياء الذين أنجبوا الشهداء. موقفان مشرفان والقيادة التي تعترف بالفضل وتجازي أهله؛ ومع البطولة يطبع الشعر قبلة أخرى على جبين جبران والوطن وينام بهدوء ... آخر الراحلين مساعد الرشيدي النجم اللامع في سماء الإبداع الشعري، توهج كل شعره أكثر بين يدي محبي شعره، بعد أن فارق أرضنا وتوهجت مواقفه البطولية، يكتب من على السرير الأبيض لجبران نزيل السرير الأبيض قائلا:
ما دام يولد للوطن مثل جبران  
 تموت عدوان الوطن ما تطوله
لتبقى آخر تغريدة مثبتة في حسابه؛ لأن حب الوطن هو الأول في حياته؛ مات محبا كما عاش محبا له .. الوطن يسكن في المسافة بين بطولة جندي وبطولة شاعر، كلاهما يقفان أمام الموت ببسالة لا تموت!
الوطن الذي تنقل فيه وسكن روحه حين قال: أنا شمالي، ولدت في المنطقة الشرقية، وتربيت في الجنوب، وعشت في الوسطى، وأنا أهلاوي الجزء الحجازي الجميل فيّ.
وحين يقول:
نحيا حياة أحرار راضين النصيـب  
ونموت ما تاطى لنا الدنيا طرف
يبقى حيا في الوطن وفي قلوب أهله ..لا يموت الشعراء لأنهم عصيون عن الزوال من الذاكرة ..
الوطن قصيدة يجيد كتابتها، كل شاعر برويّ منوع على وزن الحب، ونحن نقرأ كلامه ونؤمن بحبه؛ حين يدنيه، فنوشك أن نلمسه بأيدينا، ولا أحد يجيد هذا مثل الشعراء حين يستمطرون الصور من غمام الكلمات، ويستحضرونها من فيافي النسيان، ويمزجونها بأنفاس الخزامى وريح النفل، ويغسلونها في بياض الخلود.
الشعر لا يموت فهو يحيينا بداخل عوالم الشاعر التي سكن بها وأسكننا معه، رحل وبعد رحيله حضر للذاكرة، حوار سريع مع الأستاذ سلطان البازعي عن بيت من قصيدة للراحل قبل سنوات، والبيت يقول:
ما تقاود مهرة الحرف للقلب البليد
  يا قصيدي خذ رسنها ..وخلك قدها
 أتذكر علقت على البيت وأشرت إلى أنه بيت القصيد، وانتهى الحوار بشكر منه لنا، وبقيت مسافة سنوات بين الشكر وتذكره لأكتب عنه، لتصبح الكلمات التي أفرحتنا في حينها تستدعي حزننا حين تذكرها، لكنها تستدعي تذكرا لجمال القائل، وكأن الحرف يأبى بعد هذا العمر أن يبقى بليدا فيذكر الراحل ويثني عليه رحمه الله، فهو لا ينقاد إلا لأمثاله؛ يومها قلت له ردا على الشكر العابر: الكلمة الشاعرة مثل نار الكريم تستدعي الضيوف.. كلماتك أضاءت فحضرنا. رحم الله الراحل وجزاه على الصبر والاحتساب وقوة العزيمة، وأسبغ الصبر والسكينة على أهله وأحبابه.