لم أصل لحد المطالبة أيضاً بالمعاملة بالمثل بتغليظ العقوبة على الجهاز الحكومي في حالة الاعتداء على المواطن الأعزل الضعيف واستخدام السطوة الحكومية ضده وبدون وجه حق، ولكني فقط أطالب بإشراك الجهاز الحكومي ومسؤوليه في المسؤولية، أما تغليظ العقوبة فهذا لا أطمع به الآن، لأن التدرج مطلوب

الأصل أن أجهزة الأمن بما في ذلك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوجدت لحماية المواطن وخدمته، ولاشك أنها وهي تفعل هذا قد تتعرض لبعض ردود الفعل على شكل اعتداءات على أفرادها أو مبانيها أو أجهزتها، ومن أجل هذا احتاطت الحكومة حفظاً لهيبتها وهيبة أفرادها واتخذت الإجراءات والتشريعات اللازمة لتغليظ العقوبات على أي مواطن يعتدي على أجهزتها ومسؤوليها وأفرادها، وهذا حق أؤيده، ولكن إذا كانت الحكومة بكل سطوتها محتاجة لتشديد العقوبة حماية لها ولأفرادها من المواطن الضعيف، فإن العكس أكثر مدعاة لاستصدار التشريعات بحيث تكون عقوبة الجهاز الأمني مغلظة في حالة اعتداء أفراده على المواطن كما حدث ويحدث وخاصة من بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآخر ذلك حادثة حائل التي اعتدى فيها رجل الهيئة كما نشرت وسائل الإعلام على مواطن بالطعن بمطوى بعد مشادة حصلت إثر إصرار رجل الهيئة على أن تقوم امرأة المواطن المنقبة بتغطية عينيها الفاتنتين وياللعجب الشديد.
سأوجه السؤال لسمو نائب وزير الداخلية ولرئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فأقول ماذا لو اتضح أن أحد الجنود أو أحد رجال هيئة الأمر بالمعروف مختل عقلياً.. ونتيجة لهذا الاختلال العقلي اعتدى على مواطنين وفعل الأفاعيل.. طبعاً هو بموجب الحكم الشرعي ليس عليه حرج.. فهل تنتهي المسألة عند هذا الحد..؟ بموجب الأسلوب المعمول به الآن نعم تنتهي المسألة عند هذا الحد.. لأن الاعتداءات التي تقع على المواطنين ظلماً وعدواناً من أي فرد من أفراد الأجهزة الأمنية بما في ذلك أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق المعمول به حالياً يتحمله الفرد المعتدي نفسه، ولا يمس المسؤولين عن هذا الفرد الذين زكوه وعينوه كما لا يمس الجهاز نفسه، في حين أن المفروض غير هذا، فهذا الجندي أو رجل الأمن المختل عقلياً (افتراض) الذي اعتدى على المواطن يفترض أن المسؤول عن اعتدائه هو الذي اختاره وعينه وكلفه بالمهمات، بل والمفروض أن رئيس ذلك الذي عين المختل عقلياً مسؤول أيضاً.
وتسلسل المسؤوليات ينبغي أن يستمر لتحقيق الردع المطلوب الذي يضمن عدم تكرار الحالة، بل والمفروض أيضاً أن يتحمل الجهاز بصفته الرسمية مسؤوليته في ذلك معنوياً ومادياً، لأن هذا هو الأسلوب المأمون المضمون الذي يحفز المسؤولين على حسن الاختيار ويضمن عدم تعيين مختلين عقلياً، أو حتى العصبيين، أو الذين لا يحسنون التعامل مع المواطن، ولا يتقنون أداء المهمة، خاصة في المناصب الأمنية التي يحتك شاغلوها بالمواطنين.
الجنون فنون.. وهذه الفنون تبدأ بالاختلال العقلي وتنتهي بأولئك الذين يعتقدون اعتقاداً جازماً أنهم هم ظل الله على الأرض وأنه يجب عليهم تغيير ما يعتقدون أنه منكر حتى لو لم يتفق معهم أحد في اعتقادهم، كما يدخل فيه أولئك المأزومون عصبياً الذين تغلي الدماء في عروقهم ورؤوسهم سريعاً عند أول نقاش ويفقدون السيطرة على أنفسهم، ومثل هؤلاء وأولئك ومن ماثلهم لا يجوز أبداً أن تقتصر مسؤوليات اعتداءاتهم على المواطنين عليهم وحدهم بل يفترض أن يتحمل المسؤولية أيضاً رؤساؤهم ورؤساء رؤسائهم والجهاز الأمني نفسه، فهذا هو الأسلوب القويم لضمانة عدم وجود هؤلاء مستقبلاً في مثل تلك المناصب والمسؤوليات الحساسة.
المعمول به حالياً هو تغليظ العقوبات على المواطن الذي يعتدي على الأجهزة الأمنية، ولاحظوا أني في مطالبتي لم أصل لحد المطالبة أيضاً بالمعاملة بالمثل بتغليظ العقوبة على الجهاز الحكومي في حالة الاعتداء على المواطن الأعزل الضعيف واستخدام السطوة الحكومية ضده وبدون وجه حق، ولكني فقط أطالب بإشراك الجهاز الحكومي ومسؤوليه في المسؤولية، أما تغليظ العقوبة فهذا لا أطمع به الآن، لأن التدرج مطلوب، إذ كيف لي أن أطالب بتغليظ العقوبة على الجهاز الحكومي في حالة الاعتداء على المواطن إذا كان الجهاز الحكومي أصلاً لا يعاقب نهائياً ويلقي باللائمة على الفرد في هذا الجهاز فقط..
إني أرجو من أجهزة التشريع أن تفكر ملياً في ذلك، وتستصدر تشريعاً يشرك المسؤولين في الأجهزة الحكومية، بل والأجهزة نفسها في المسؤوليات المترتبة على أي اعتداء من جهاز حكومي على مواطن، بل وأرجو من كل الإخوة المحامين في مرافعاتهم ودعاواهم أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار، فلا يكتفون برفع الدعاوى في حالة الاعتداء على المواطنين من الأجهزة الأمنية على الأفراد المعتدين، بل يقيمون دعاوى أيضاً على رؤساء هؤلاء الأفراد والذين عينوهم وكلفوهم بالمهمات، وكذلك يقيمون دعاوى على الأجهزة نفسها ويطالبون الجميع بالتعويضات حتى يفكر كل مسؤول ألف مرة قبل أن يقر بتعيين أو تكليف فرد يمكن أن يحمل خنجراً أو مسدساً ويخرجه في حالة الغضب ويعتدي به على المواطن الضعيف الأعزل.