الهدف الحقيقي من إيقاف الدعم هو التأكد من وصوله لمستحقيه من جهة، وتنوع مصادر الدخل وضمان ديمومة نموه من جهة أخرى
كثير منا لم يكن يعلم أن هناك دعما للأسعار، ومنها المحروقات والكهرباء والماء حتى جاء الحديث عن عزم الدولة على رفع أو إيقاف الدعم تدريجيا.
من فترة كانت تلوح ملامح لابتكار إستراتيجية تعيد النظر في منظومة الدعم الحكومي، وخاصة السلع والخدمات الأساسية ذات الأهمية الحيوية للمواطنين، وتعالج بها عشوائية الدعم وترسخ ثقافة الترشيد وإيقاف الهدر والإسراف حتى صدر القرار مؤخراً بهذا الشكل.
الانطباعات حذرة، غير أن الواقع الاقتصادي العالمي له صوته الذي يجب الإنصات له والتعامل معه قبل أن يلقي بنا في ويلات اقتصادية تسر العداة وتجعلنا عرضة لأطماع المتربصين بالوطن الغالي.
المتغيرات الاقتصادية على كوكب الأرض واضحة للعيان، واستمرار وضعنا على ما هو عليه دون استجابة وتغييرات مصاحبة ضرب من الجنون وقد تكون له نهاية مأساوية.
لهذا فإن الأحداث تفرض علينا معالجة وتصحيح المسار الذي قد يكون له ثمن يتحمله الجميع لكون عدم التصحيح سيكلفنا أكثر.
رفع الدعم لم يكن مطلبا حكوميا ولا شعبيا غير أننا أمام تحديات كبيرة نعرف الكثير من مسبباتها الحديثة منها والمتراكمة عبر عقود من الزمن أسهم في تكوينها خليط من ثقافة الهدر الاستهلاكي على مستوى الفرد، وسوء الإدارة والفساد وفوات الفرص.
ولأننا تأخرنا كثيراً في توفير بدائل النفط فإننا اليوم أمام إجراء عمليات جراحية إصلاحية سيكون بعضها ربما دون بنج موضعي أو كلي.
كان الدعم الحكومي يصل للمستحق وغير المستحق، إلا أن غير المستحق يتمتع به أكثر. ومن ضمن غير المستحق مواطنون على قوائم أثرياء العالم، وكذلك بنوك وشركات عالمية ومؤسسات كبرى دون أي خدمات بنيوية اجتماعية يقدمها هؤلاء للوطن والمواطن، ومع هذا فهم يتمتعون بحقوق محدودي الدخل من دعم هائل للسلع والطاقة لقصور ومنشآت وأرتال من المركبات والناقلات الأرضية والجوية والبحرية، وربما الفضائية لو أمكن لهم ذلك.
صحيح أن فئة الأثرياء ومرتفعي الدخول يُعدون الأقل تعدادا مقارنة بغيرهم من المواطنين إلا أن ما تستهلكه هذه الفئة أكثر نظرا لكمية الاستهلاك لا للتعداد الفردي.
وفي الجانب الآخر هناك ما يقارب من 13 مليون مقيم وزائر يتمتعون بالدعم العام، وبالنظر للعقود المبرمة التي تحكمهم فإنه ليس من ضمنها الاستفادة من الدعم الحكومي.
هذه الفئة الموقرة تصدّر أموالا طائلة لخارج الوطن قدرت بـ157 مليار ريال عام 2015 حسب تقرير مؤسسة النقد مما يجعل السعودية من أكبر الدول تصديرا للأموال والنفط!
لا شك أن هذه أموالهم وعرق جبينهم ولديهم الحق المطلق في إرسالها لمن يشاؤون، وهم متواجدون بيننا ضيوف أعزاء، ومنهم أصحاب خبرات يحتاجها الوطن غير أن عليهم تفهم الوضع الاقتصادي الحالي على مستوى العالم. ما يقال هنا عن الوافدين الأعزاء ليس له علاقة بالعنصرية أو كراهية الأجنبي بدليل أن هناك مواطنين سيشاركونهم أعباء رفع الدعم.
وبحسب التقديرات فإن الدولة ستوفر 300 مليار ريال جراء رفع الدعم، تدفع جزءاً منه نقدا للمواطنين المتضررين من تداعيات القرار في برنامج حساب المواطن والذي أُشبع إعلاميا.
أجزم أن الهدف الحقيقي ليس إيقاف الدعم بقدر ما هو التأكد من وصوله لمستحقيه من جهة، وتنوع مصادر الدخل وضمان ديمومة نموه من جهة أخرى. ولأن نظام الدعم يعزلنا كمستهلكين عن الواقع العالمي عبر تقديم سعر مدعوم، لهذا تجدنا مشدوهين عندما نسافر ونرى الأسعار الدولية وقد انكشف عنها القناع، ونندهش حين نشاهد مركبات تغلق المحرك آلياً عند الوقوف التام، ونتندر ممن يطفئ المحرك عند إشارة المرور.